أولاً: معاداة السامية ... الإيديولوجيا المناهضة للبشرية جمعاء
دعوى "مناهضة السامية" التي استغلّها و"تاجر" بها الصهاينة، إن هي إلاّ دعوى يقوم بها الطرف الذي يرى في اليهود عرقاً بالمعنى الذي يُضفيه المنظّرون العنصريون في أوروبا القرن التاسع عشر على هذه الكلمة، لأنّ من سمات العنصرية المعاصرة كما يرى إيلان هاليفي (مؤلف كتاب المسألة اليهودية) أن تصوغ من جديد في رطانة بيولوجية مزيفة وعلم وراثة مزيف وانتروبولوجيا مزيفة لأواليات" mecanismees " بدائية لعدوانية الجماعة للتمجيد الذاتي وتخفيض قيمة الآخرين وإضفاء أسطورة الأنا المشتركة و"شيطنة" الغير.
إنّ هذا الحقد الذي يجاهر به الصهاينة بحذلقة "مناهضة السامية" لا يقصد سوى اليهود، في حين كان المقال العنصري العام يحوي في طياته آسيا ويقابل بين الحضارة والهمجية، وهو في هذه الصفة ينعكس أيضاً على العرب، ومن مناهضة السامية ينطلق الصهاينة لتوزيع "خزيهم" وحقدهم على كل معارض لأهدافهم ومطامعهم في استلاب أرض الغير وإقامة دولتهم باستعادة الماضي مزوّدين بجوهر لا تاريخي، يتحدون العصور والمجتمعات، وسيساهم اضطهاد اليهود المنظّم والرسمي للامبراطورية الروسية في تسريع حركة هجرة اليهود نحو الغرب، وبوصولهم إلى الغرب سيكتشفون كما قال وايزمن:" إنّهم جلبوا مناهضة السامية في حقائبهم".
إقرأ أيضا : لماذا مر كلام باسيل عن السلام مع إسرائيل مرور الكرام ؟
ثانياً: الصهيونية ...الإيديولوجيا المصطنعة
الصهيونية السياسية هي التي ستصوغ في النهاية مشروع إدارة إنشاء الدولة القومية اليهودية مع هرتزل عام ١٨٩٦ من النمسا، وقد لاقى العرض البريطاني ببناء الوطن القومي اليهودي في أوغندا هوىً عند هرتزل بين عامي ١٩٠٣ و١٩٠٤، وسترفض كتلة عشّاق صهيون- أبناء الشتتل (الشتتل: مدن صغيرة في أنحاء مختلفة في بولونيا تتمتع باستقلال إداري ومالي ذاتي) رفضا قاطعاً كل صهيونية بدون صهيون، إذ كانت المسيحانية القومية العبرية قد بدأت منذ أربعين سنة خيطاً رفيعاً مستمراً من الهجرة نحو فلسطين العثمانية، ولولا التدخل المنتظم للصهيونية السياسية التي رأت النور في بال، ونسجت مع القوى الكبرى تحالفات جديدة لكانت هذه الهجرة اليهودية نحو فلسطين قد بقيت بدون نتائج سياسية كبيرة، فقد كانت الهجرة تطمح إلى إقامة مركز روحي في فلسطين، حيث سيستطيع الشعب اليهودي أن يتجدد أخلاقياً واجتماعياً مُتخلّياً عن ممارساته التجارية وعائداً للعمل في الأرض.
ستلعب البورجوازية الأوروبية في فرنسا وألمانيا وانكلترا جهوداً "إحسانية" مُنسّقة بين المهاجرين عشاق صهيون أو لدى اليهود المحلّيّين لاستغلال استثمارات استعمارية كلاسيكية جداً (أسرة روتشيلد ، الفرع الفرنسي يتصرف في خمر القداس على سفوح جبل الكرمل كما يتصرف في خمر الجزائر)، إلاّ أنّ ذلك لم يمنع يهود الولايات المتحدة الأميركية من الامتعاض من توجهات الحركة الصهيونية في الهجرة فأطلقوا التعريف الكلاسيكي : يهودي أميركي يعطي نقوداً إلى يهودي فرنسي من أجل أن يذهب يهودي بولوني للإقامة في فلسطين.
إقرأ أيضا : هاشتاغ إصلاح وتغيير التيار الأول في لبنان بعد كلام باسيل عن إسرائيل
كان هرتزل "الإيديولوجي" قد حلم بأرض ما في الأرجنتين قبل أوغندا، وذلك قبل أن يمضي وقتٌ ليس بالطويل ليعتادوا تسمية فلسطين "بلاد إسرائيل".
كانت مهمة الصهيونية صعبة ومعقدة وشائكة، فقد كان عليها أن تجمع على أرض فلسطين التناقضات الحادة والتيارات المختلفة والانشقاقات الفعلية، هذا لأنّ الصهيونية بما هي حركة إيديولوجية وبما هي كنيسة، تطمح إلى توحيد الكلمة وتُغذّي بالنتيجة عدداً وافراً من الانشقاقات المتنافسة، في هذه الشروط، كيف ندرك الخاصّية المميزة للايديولوجية الصهيونية؟ هذه الخاصية التي ألهبت الشرق العربي وما زالت: إنّها ليست علمانية ولا دينية ، لأنّها مؤلّفة من صهاينة ملحدين كما هي مؤلفة من صهاينة مؤمنين، لا رأسمالية ولا اشتراكية، لأنّ الأسلوبين يتعايشان فيها..فنُواة الإجماع الصهيوني تتعلق بالمصير اليهودي وبطبيعة دولة إسرائيل وبجوهر الرفض العربي.
جوهر الرفض العربي معالي وزير خارجيتنا، قائم على التناقض الجوهري مع الإيديولوجيا الصهيونية.