الاحتفال بما يسمّى عيد رأس السنة "الميلاديّة"، ونسبته إلى عيد الميلاد المجيد، نجد فيه مغالطتين: 1) يجدر بالمعيّدين هذا العيدأن يصفوه بـ"رأس السنة الشمسيّة"، وهكذا نكون أقرب إلى التوصيف العلميّ. 2) رأس السنة لدى الكنيسة الأرثوذكسيّة يقع في الأوّل من أيلول ويسمّى عيد رأس السنة الطقسيّة الذي يتضمّن توقيتًا لكلّ الأعياد والمواسم والمناسبات في الكنيسة، هي رأس سنة لتقديس الزمن والأوقات، وتاليًا للإنسان. طبعًا لن تكون مقاربتي متّصلة بالمقارنة ما بين الأمرين، فلكلّ إنسان الحرّيّة بأن يحتفل بهذه المناسبة كما يشاء.
نتّفق على القول بأنّ هذا العيد عيد شعبيّ، وليس البتّة عيدًا مسيحيًّا لغيابه عن لائحة الأعياد الوارد ذكرها في الأوّل من كانون الثاني. من هنا، لا يحقّ لبعضهم الإشادة بالمشاركة الإسلاميّة في "الأعياد المسيحيّة"، وهو ما يصحّ قوله أكثر عن المشاركة في عيد الميلاد المجيد، مثلاً، والتي يمكن اعتبارها مشاركة مباركة. رأس السنة عيد شعبيّ يشارك فيه كلّ المواطنين إلى أي شريحة اجتماعيّة أو سياسيّة أو مذهبيّة من دون نسبتها إلى أيّ دين من الأديان.
يمكن اختصار الاحفالات بهذا العيد بسهرة عارمة معظمها خارج المنازل، سهرة راقصة مع مغنّين وعشاء تتفاوت نوعيّته ما بين مطعم وآخر... وألعاب منتصف الليل مع المفرقعات... وانتظار المشعوذين والمشعوذات لسماع ترّهاتهم وتوقّعاتهم عن مجرى الأمور في السنة القادمة.من النافل القول إنّ العقل السليم لا يؤمن بالحظّ، ولا بالنصيب، ولا بالصدفة. الإنسان هو الذي يصنع حظّه، لا الكواكب ولا النجوم ولا فنجان القهوة ولا أيّ سخافة مماثلة... وفي يد هذا الإنسان وفي استطاعته أن يجعل سنته الجديدة أفضل، وذلك بألاّ يختار له نصيبًا سوى العقل والمنطق السليم. مَن كان هذا نصيبه لن يخزى ولن يخيب.
اللافت أنّ الذين يترقّبون تغيّرًا جذريّا في حياتهم بناءً على الحظّ أو الصدفة سيخيب أملهم. ينبغي عليهم العمل الجادّ والفاعل لتغيير أنفسهم أوّلاً كي يثمر ما يريدون أن يغيّروه. ويبدو من اتّكالهم على الحظّ والنصيب أنّهم جبريّون، ولا يعتقدون بمسؤوليّهم عن أعمالهم. هم مجرّد كسالى لا يتّكلون على قواهم الذاتيّة، منتظرين الفرج الآتي من غيب ما أو من حادث معيّن... علمًا أنّ المسيحيّة والإسلام لا يعتقدان بالجبريّة، بل يرفضانها.
كيف يمكن للبنان، بأحواله الطائفيّة الزاهرة، أن يتغيّر إذا كان المواطن الذي يشتم الطائفيّة ليلاً نهارًا يتحوّل إلى طائفيّ متشدّد حين تأتي الانتخابات النيابيّة التي تتطلّب تعبئة طائفيّة للحفاظ على حقوق الطائفة في الدولة وفي الفساد... هو نفسه هذا المواطن الذي يقترب عامًا بعد عام من سنّ الشيخوخة، وليس لديه ضمان اجتماعيّ للشيخوخة يؤمّن له نهاية كريمة. كيف يمكن أن يتغيّر هذا الواقع المستمرّ من زمن طويل إنْ لم يترافق مع تغيّر في ذهنيّات الناس التي تعيد إنتاج الماضي بأبشع وجوهه؟ ماذا يمكن أن يقدّم له الحظ إنْ بقي غير مهتمّ بالسعي الشخصيّ للتغيير؟
هذه أحوالنا في البلاد العربيّةكافّة مع تنوّع مشكلاتها، قضيّة فلسطين، الأنظمة العربيّة، الفساد المستشري في كلّ مكان، الحجر على الحرّيّات العامّة... الحظّ فشل فشلاً ذريعًا، فيما تحرّك الشعوب استطاع أن يهزّ بعض العروش، وكادت شعوب أخرى أن تهزّ عروشًا أخرى ولكنّها فشلت بسبب تدخّلات دول خارجيّة. الحظّ لا نصيب له في هذا المقام. فالشعب سعى بكلّ قواه رافضًا الأمر الواقع غير خائف من الآتي.
مَن يطلب أن تكون السنة المقبلة أفضل عليه السعي الشخصيّ لجعلها أفضل، وإلاّ ستبقى أمنياته أضغاث أحلام، وغبارًا تذرّيه الريح. وهذا ما سوف يديننا عليه التاريخ.