كثيرا ما يتصدّر الرجال والسياسيون الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي كرموز للمقاومة الشعبية في فلسطين ضد الاحتلال الإسرائيلي. ويختلف الرأي العام حول هؤلاء بين من يعتبر السياسيين خاصة “متاجرين” بالقضية، خاصة أولئك الذين يسرحون ويمرحون بكل حرية تحت أنظار إسرائيل دون أن تمس لهم شعرة أو يداس لهم طرف.
وفي توقيت سيطر فيه “التزمت الديني” خاصة في الأراضي الفلسطينية، وخصوصا مع سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، اختفت النساء من الشبكات الاجتماعية والإعلام وإن ظهرن فهن في الغالب محجبات أو زوجات لأسرى استطعن إنجاب أطفال من نطفات مهربة من السجون فلا صوت يعلو على صوت البطولات الرجالية.
لكن، فتاة بعينين زرقاوين وشعر مجعد كسرت القاعدة. لقد أصبحت الفتاة الفلسطينية عهد التميمي التي تحاكم حاليا بتهمة ضرب جنديين إسرائيليين، شخصية مكروهة في الدولة العبرية، ورمزا للمقاومة الشعبية الفلسطينية.
ورغم بطولتها، كانت عهد التميمي مادة خصبة للانتقاد من طرف معلقين تغاضوا عن كل شيء ولم يهمهم سوى أنها لا تلبس حجابا، في وقت انقلبت فيه الأولويات.
ووجد كثيرون معارضون لملابسها المتحررة أنفسهم مجبرين على الخوض في سيرتها البطولية وتقليلها. كانت لقطة فارقة حين بثت بعض الحسابات على الشبكات الاجتماعية صورة عهد طامسة وجهها وشعرها.
نفس الحسابات التي تحتفل بنساء تحت الأنقاض لم يتخلين عن خماراتهن.
وتحت تعليق “ما شاء الله” يعيد المئات منهم نشر مقطع فيديو قادم من سوريا لفتاة صغيرة تحت الأنقاض تقول “بالله عليك لا تصور لقد انتزع حجابي”.
لقد أصبح غطاء الرأس أهم من الحياة، في نظر بعضهم.
وقال معلق في هذا السياق “عهد التميمي الشخصية مُختارة ‘بعناية’ الشعر الأشقر المنفوش ‘رمزية’ الجمال من دون الحجاب ‘مقصود’. الإعلام الصهيوني يصنع التمثيليات والشعارات المزيفة”.
وقال بعضهم إن “التركيز على عهد التميمي بهذا الشكل المفرط مع التهميش للمئات من نساء فلسطين المحتشمات والمرابطات على أبواب الأقصى تشويه لطبيعة النضال الفلسطيني وعَلمَنة خبيثة للقضية…”.
واعتبر مغرد “تركوا شجاعة عهد التميمي وصمودها وتمسكها بحقها وانتقدوها لأنها غير محجبة. هكذا هم المهزومون يبحثون دائما عن أخطاء”.
وقال آخر “عهد التميمي التي تعتبر في عقول الدواعش أنها غير محجبة قدمت ما لم يستطع تقديمه الكثير من الفكر الداعشي وحوله. الفكر الداعشي: إن لم تكن معي فأنت كافر”.
وتهكم آخر “البعض مستغرب من كلام الإسلاميين عن شعر عهد التميمي ويرونها قضية هامشية، بالعكس هذه قضية محورية عند الإسلاميين، ليس الحجاب لكن دلالة الحجاب. المناضلون منهم وحدهم وغير الإسلاميين هم إما ‘عوام’ ينساقون وإما علمانيون خونة، لا تهزوا الثوابت الله يكرمكم!”.
عهد تحلم بأن تصبح لاعبة كرة قدم، لكنها قررت دراسة القانون للدفاع عن عائلتها وقريتها الصغيرة القريبة من مدينة رام الله، مقر السلطة الفلسطينية
وتاريخ عهد في مواجهة الجيش الإسرائيلي يعود إلى طفولتها. كانت لا تزال في الحادية عشرة من عمرها عام 2012، حين انتشر شريط فيديو تظهر فيه وهي تحاول منع الجيش الإسرائيلي من اعتقال طفل من عائلتها.
وظهرت الطفلة في حينه وهي تمسك بجندي إسرائيلي مع نساء من عائلتها من دون أي خوف أو تردد، في محاولة لإنقاذ الفتى من قبضة الجندي.
واعتقلت الفتاة في 19 ديسمبر الجاري، بعد انتشار شريط فيديو آخر على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام تظهر فيه مع قريبتها نور وهما تقتربان من جنديين يستندان إلى جدار منزل عائلة عهد، وتبدآن بدفع الجنديين، ثم بركلهما وصفعهما وتوجيه لكمات لهما.
وكانت عهد تحلم بأن تصبح لاعبة كرة قدم، لكنها قررت دراسة القانون للدفاع عن عائلتها وقريتها الصغيرة القريبة من مدينة رام الله، مقر السلطة الفلسطينية. وهي حاليا طالبة في الثانوية العامة في مدرسة في مدينة رام الله.
في إسرائيل، أثارت شعبية الفتاة التي مددت الخميس فترة توقيفها الاحترازي في سجن عوفر، غضبا عارما، إلى درجة كتب السفير الإسرائيلي السابق في الولايات المتحدة وعضو الكنيست مايكل أورن تغريدة على موقع تويتر عبّر فيها عن شكوكه بأن يكون أفراد عائلة التميمي أقارب بيولوجيين.
وقال إنه يعتقد أن العائلة تستأجر الأطفال وتلبسهم ملابس أميركية الطراز. وأثار هذا التعليق موجة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن باسم التميمي، والد عهد، يرى بشيء من الحسرة أن قضية ابنته قد تكون حظيت بكثير من الاهتمام بسبب شكل عهد الذي يشبه الأوروبيين، على حد قوله.