تطوي الـ2017 أيامها الأخيرة إلّا أنها ستترك آثارَها خصوصاً على الساحة اللبنانية التي شهدت تطوّرات عسكرية وأمنية كان أبرزها معركة «فجر الجرود»، والكشف عن مصير العسكريين المخطوفين لدى «داعش» منذ العام 2014، وملاحقة الخلايا الإرهابية النائمة، إضافة الى ملاحقة عصابات المخدرات وسرقة السيارات.
لم يكن لبنان بعيداً عن تركيا في حسابات الإرهابيين ليلة رأس السنة الماضية، فعملية القبض على إحدى الخلايا الإرهابية التي بدأت قبل العيد على دفعتين، الاولى كانت لـ3 أشخاص في طرابلس، قادوا بدورهم الى عملية ثانية أدّت الى اعتقال اثنين آخرين، أوقعت الشبكة بكاملها في قبضة الجيش ليلة رأس السنة مع اعتقال الستة الباقين، ما أدى الى إحباط غايتهم في تحويل الأعياد في لبنان الى حمامات دماء.
سنة 2017 شهدت تعيين العماد جوزف عون قائداً للجيش، والذي بدأ مسيرته بإحباط مخطط إرهابي فجر 29 آذار، حيث كان المسلحون ينوون احتلال بلدة عرسال من خلال تنفيذ هجوم حدَّدوا توقيته بعد صلاة الفجر، إلا أنهم انتهوا 15 جثّة من بينها واحدة لقيادي في «فتح الشام».
ومَرّ حوالى شهر، ليشكّل 22 نيسان تاريخاً مفاجئاً للإرهابيين، حيث نفذ الجيش عملية قتلَ فيها والي القلمون في «داعش» علاء الحلبي الملقّب بـ«المليص»، وأوقف 10 إرهابيين أساسيين خطيرين ومتهمين في تنفيذ عمليات في الداخل اللبناني وضلوعهم في «احتلال» عرسال في آب الـ2014 وخطف العسكريين.
إنسحاب مفاجئ
تعطّش اللبنانيون فترة طويلة لسماع نبأ سيطرة الجيش وحده على الحدود، فأتاهم تصريح السيّد حسن نصرالله المفاجئ عن إخلاء مراكز «حزب الله» في هذه المناطق، ليكون مقدمة لأحداث عسكرية شهدوا فصولها لاحقاً، لا سيما بينها صفقة تهريب «داعش» من الجرود.
يوم 22 حزيران، أوقِفَ سائق «فان» أجرة للاشتباه بمشاركته في معارك عرسال، لتكون المفاجأة أنه محمد بدر الدين الكرنبي الملقّب بـ»أبو بدر»، أي مفخِّخ غالبية السيارات التي كانت تُستخدم في العمليات الإرهابية في الفترة الماضية.
«قضّ المضاجع»
ما هي إلّا أيام حتى استفاق اللبنانيون على خبر مداهمات يقوم بها عناصر فوج المجوقل في الجيش اللبناني لمخيمَي قارية والنور عند تخوم بلدة عرسال، بعدما كانت وصلت لقيادة الجيش معلومات تتحدث عن تحضير الارهابيين لتنفيذ عمليات انتحارية في مناطق لبنانية آمنة، وبنتيجة المداهمات أوقف 350 سورياً بينهم عشرات من المطلوبين الخطرين.
«حزب الله» يحارب
21 تموز، إنطلقت معركة «حزب الله» على الإرهابيين في الجرود، فيما اكتفى الجيش بالوقوف درعاً منيعاً لأيّ إرهابي متسلّل الى الأراضي اللبنانية، من دون أن يتدخل في هذه المعركة التي سرعان ما انتهت بصفقة تهريب مسلحي «النصرة» بالباصات المكيّفة الى سوريا.
المعركة الكبرى
19 آب، إنطلقت معركة «فجر الجرود»، معركة خطّط الجيش لها طويلاً، واستطاع بنتيجتها دحر الإرهابيين في الجرود، والانتشار للمرة الاولى على كامل الحدود اللبنانية باستثناء بعض الثغرات الصغيرة.
ولا شك في أنّ هذه المعركة بَدّلت المقاييس على الساحة اللبنانية، ورفعت مستوى التعاون الدولي مع الجيش اللبناني، على رغم تشكيل الأزمات السياسية الداخلية عبئاً على هذا الموضوع وآخرها كان استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري.
وعلى رغم انتهاء هذه المعركة التي استمرت نحو أسبوع، إلّا أنّ الحرب الاستباقية التي بوشِرت منذ فترة طويلة لم تُقطَع، بل انها شهدت تطوراً في التكتيكات المستخدمة، وأوقفت عشرات الشبكات أو الخلايا النائمة من أكثر من جهاز، وأبرزهم الشيخ مصطفى الحجيري (الملقب بأبو طاقية).
وفضلاً عن دحر الإرهابيين، ساهمت «فجر الجرود» بكشف مصير العسكريين المخطوفين لدى «داعش» منذ العام 2014، يوم 27 آب، حين أبلغ اللواء عباس ابراهيم الأهالي بمصير أبنائهم، ليتبعه عرس وطني لتشييعهم.
الأمن الإستباقي
عام 2017، أوقف أشخاص اعتبروا مسؤولين عن الأعمال الإرهابية التي نُفّذت في المناطق اللبنانية كافة والاعتداء على مراكز الجيش، سقط قسم كبير منهم وهناك قسم آخر تستمر المتابعة للايقاع به.
إلّا أنّ العمل الأمني لم يقتصر فقط على المجموعات الإرهابية من «النصرة» و«داعش» ومداهمة مخيمات النازحين التي شكلت بيئة حاضنة لهم، بل كان من خلال الإجراءات الأمنية التي نفذت في محيط المخيمات الفلسطينية، وخصوصاً عين الحلوة.
أمّا على صعيد الجنوب، فعزّزت القيادة العسكرية وجودها في منطقة جنوب الليطاني كما ينص القرار 1701، وسمحت بذلك بسحب ذريعة إسرائيل بأنّ الجيش اللبناني غائب عن هذه المنطقة.
كما كانت بارزة عمليات توقيف الأجهزة الأمنية المختلفة للعملاء، الذين لوحِظ أنّ قضية غالبيتهم لم تكن تتعلق بالمواضيع الأمنية بمعناها الحصري، بل ارتبطت بالتطبيع، من هنا كان لافتاً نوعية الأشخاص الذين أوقفوا، خصوصاً أنها تزامنت مع أوضاع إقليمية معينة وكلام عن الاتجاه لإقامة علاقات بين إسرائيل ودول عربية.
الأمن الإجتماعي
الى ذلك، كان هناك دور للجيش على صعيد الأمن الإجتماعي في التوقيفات التي حصلت لتجار المخدرات وسارقي السيارات ومرتكبي الجرائم الموصوفة، حيث دفع الجيش ضريبة دماء غالية كان آخرها إصابة الملازم أول مروان صباغ في حورتعلا، إلّا أنّ هذا العمل حَسّنَ من صورة لبنان خصوصاً مع ارتباط شبكات المخدرات بتمويل الجماعات الإرهابية وتأمين الموارد المالية اللازمة لتنفيذ عملياتها، كذلك الحال بالنسبة لسرقة السيارات التي كانت أيضاً تستخدم في هذه العمليات.
وكل هذه الأمور أثمرت تجاوباً غربياً مع تأمين الدعم اللازم للجيش اللبناني والأجهزة الأمنية، ومن هنا أتت الإستثمارات الكبيرة للولايات المتحدة في لبنان وتقديم السلاح النوعي، وأيضاً كان الحديث عن مؤتمر «روما 2» الذي سيعقد قريباً، والذي سيكون مخصصاً لتقديم الأسلحة للقوى العسكرية اللبنانية.