تمهيد: الهلال الشيعي
يُفترض أن يمتدّ الهلال الشيعي، كما تخيّله البعض، من إيران شرقاً حتى لبنان على ساحل البحر الأبيض المتوسط غرباً، مروراً بالعراق وسوريا. وأُطلقت هذه التسمية للدلالة على سعي الحكومة الإسلامية الإيرانية لفرض نفوذها على هذه المنطقة، وساعد على تعزيز إمكانية قيام هذا الهلال عوامل عدّة في البلدان المعنية.
أولاً: ممهدات قيام الهلال الشيعي
ساعد الإحتلال الأميركي للعراق والإطاحة بديكتاتوره صدام حسين، في التغلغل الإيراني في هذا البلد، ممّا أتاح لإيران سهولة التمدد غرباً، وما لبثت أن ساهمت الحرب الأهلية السورية في تعزيز الوجود الإيراني في سوريا وانخراطها المباشر في مجريات الأحداث السورية، وهكذا تعززت الهيمنة الإيرانية على الهلال المذكور، لا سيما أنّ حزب الله بما هو تنظيم حزبي وعسكري كان قد وطّد النفوذ الإيراني في لبنان منذ عقودٍ خلت، بفضل الدعم المالي والعسكري والمعنوي والفقهي للحزب.
إقرأ أيضًا: باسيل والجنوح نحو التطبيع ...كلامُ حق يُرادُ به باطل
ثانياً: النأي بالنفس ... عقبات مُستجدّة أمام الهلال الشيعي
ارتفعت في الآونة الأخيرة أصوات عديدة (من بينها أصوات شيعية) في العراق تطالب بالنأي بالنفس عن الهيمنة الإيرانية للعراق، خاصةً بعد القضاء على داعش وطردها خارج البلاد بالقوة العسكرية العراقية، ممّا سمح لبعض القيادات الشيعية للتّفلُت من القبضة الإيرانية المعيقة لمتطلبات السيادة والاستقلال والتنمية ومحاربة الفساد. أمّا في سوريا، فإنّ التدخل العسكري الروسي مع الجهود السياسة حالا دون توطيد الهيمنة الإيرانية على سوريا، وبات الوجود الروسي تهديداً فعليا لاكتمال شريط الهلال الشيعي، أمّا في لبنان فقد ساهمت إستقالة الرئيس الحريري في بلورة صيغة النأي بالنفس للحكومة اللبنانية عن النزاعات الإقليمية، والمعني بذلك الحدّ من تدخلات حزب الله في الأماكن الملتهبة والمتورطة فيها إيران، ممّا شكّل تحدياً جديداً للهيمنة الإيرانية على الهلال الشيعي.
ثالثاً: النأي بالنفس الإيراني
خرجت بالأمس مظاهرات عدة في عدد من المدن الإيرانية تُندد بسياسة الرئيس الإيراني وديكتاتورية المرشد، السياسة التي تُبدّد ثروات إيران في المنطقة العربية، ممّا فاقم حالة التّردي الإقتصادي والمعيشي والإجتماعي لجموع الإيرانيّين. إحتجاجات تطالب علناً بالنأي بالنفس عن أزمات المنطقة، أكثر من عشرين بالمائة من الشعب الإيراني تحت خطّ الفقر، عشرات المليارات للرواتب والسلاح في سوريا والعراق واليمن ولبنان، إحتجاجات تطالب الديكتاتور: "اترك سوريا واهتم بشؤوننا."
هاهو "النأي بالنفس الإيراني" يلاقي "النأي بالنفس اللبناني" لتستقيم الأمور ، وينصرف كلّ ذي شأنٍ إلى شأنه.