كان ينقص المنطقة رجلاً مخابراتياً كبوتين ودولة مستبدة كروسيا كي يصبح لها أكثر من معنى بعد أن ضيع العرب ربيعهم وعادوا إلى استبدادهم باسم شهداء الثورات من تونس إلى مصر وباسم المقاومة والممانعة من سورية إلى اليمن وباسم المصالح الإستراتيجية من العراق الى ليبيا وحدها البحرين لا إسم لها طالما لا يوجد شريك يحاصص في الدماء ولا يحتاج اليها أكثر من فزّاعة وخيال وسط الصحراء.
مع روسيا أصبح المشهد العربي مكتملاً فدولة مستبدة ترعى دولاً مستبدة وتحرص كل الحرص عليها لا بعصا غليظة بل بسرب من الطائرات ومنظومة كاملة من الصواريخ القريبة والبعيدة المدى لتطال فيها كل بيت أو مسكن يقيم فيه الإرهاب الذي لن تنتهي قصته وستطول وتطول لتبقى أساطيل الدول موجودة في منطقة الذهب الأسود.
إقرأ أيضًا: رشاشات كلامية ضدّ أميركا
ربحت روسيا الخريف العربي بعد أن خسرت الولايات المتحدة الربيع العربي بملء إرادتها كونها لا تحتاج إلى عالم عربي متعاف من الإستبداد ومتطلع الى الديمقراطية التي تُسلينا فيها أميركا وتدغدغ فيها مشاعر العرب والمسلمين لغاية في المصالح الأمريكية لا أكثر ولا أقل من ذلك وهي التي أهدرت الدماء على طريق الدولة الديمقراطية وقد تبيّن أنها تصطاد في هذه الدماء وعلى حساب الشعوب ولا تسمح بمغادرة هذه الأنظمة التي حمت مصالحها ومازالت تقدم لها الخدمات لنيل رضاها وعدم تعكير صفو أمنها وما المثال السوري إلا دلالة واضحة على لؤم أميركي واضح إذ أنه فضّل هدم سورية وجعلها أنقاضاً ببقاء بشار الأسد وببقاء الساحة السورية مفتوحة على صراعات أكبر من السوريين بكثير ولا طائل لهم بها إذ تحولوا إلى مجرد زبائن في أتون نارها.
لقد سمحت أميركا للروسي كيّ يتدخل ويتقدم في سورية وأن ينجح في حجز حصته المستقبلية الدائمة في بلد مؤثر في كثير من الدول وهذا نتيجة توقف إرادة البيت الأبيض عند حدود الربيع العربي كثورة لا كنتيجة بمعنى أنها سمحت وساعدت على الربيع العربي كمفتاح لإعادة نظام الحكم على ما هو عليه ولكن بأرباب آخرين لا كأداة حادة لإستئصال صيغ الحكم القائم والعمل على بناء صيغ سلطوية جديدة قائمة على المشاركة السياسية في مداولة متبعة في آليات النظام الديمقراطي.
إقرأ أيضًا: المسيح الفلسطيني وترامب يهوذا الأسخريوطي وعهد التميمي
في سوتشي اليوم دعوة لحل الأزمة السورية على الطريقة الروسية أي على طريقة بقاء الأسد في السلطة وكأن شيئاً لم يحصل فبوتين يتعامل مع الموضوع الرئاسي كما يتعامل هو في روسيا بطريقة مسرحية تعيد دوره في الحكم من جديد بواسطة ديمقراطية مصطنعة ومحكومة من الأجهزة الأمنية الروسية لذا يشترط بوتين حلاً منسجماً مع منطقه ومع قوته في سورية وهو يدفع بمؤتمر أوسع من مؤتمر حزب البعث للتجديد للقائد الأبدي كما جُدد لبوتين كقيصر لا يسقط سلطته إلا الموت وحده دون غيره طالما أن روسيا تعتاش على تجربتها القيصرية والسوفياتية.
قيل لبوتين أن المعارضة السورية هي القبائل فدع رؤوساء القبائل لحلّ الأزمة وقيل له أن الحلّ بالنسبة اليهم وعد بالمزيد من هكتارات الأراضي وفي نهاية المؤتمر سيهتفون للأسد كما كانوا يهتفون في مجلس الشعب لذلك سيكون سوتشي أشبه ما يكون باجتمعات مجلس الشعب ومؤتمر البعث والمعارضة السورية الصادقة في موقفها من النظام السوري غبية في تعاطيها الإيجابي مع المسرحية الروسية وهي تلعب الدور الذي وضعه لها بوتين رغم علمها أن مشكلتها الفعلية والحقيقية هي مع بوتين وليس مع الأسد فالأوّل هو حاكم سورية والثاني لا حول له ولا قوّة في أي أمر أو دور هو مثلهم حاضر غير غائب وضمن الدور الروسي.