قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن بلاده حوّلت تركيزها في سوريا على اجتثاث جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة، وذلك بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية. وذكر لافروف في تصريحات نقلتها وكالة تاس الروسية الرسمية أن “الهدف الرئيسي لمكافحة الإرهاب هو التغلّب على جبهة النصرة”.
وذات الخطة أكد عليها رئيس الأركان العامة الروسي، فاليري غيراسيموف، قائلا إن بلاده قضت على 60 ألف مسلح من تنظيم داعش في سوريا منذ عام 2015، مشيرا إلى أن هدف روسيا لعام 2018 هو القضاء على جبهة النصرة، فيما شدّد نائب وزير الخارجية الروسي أوليغ سيرومولوتوف على أن “الإرهاب الدولي في سوريا لا يقتصر فقط على تنظيم داعش، فهناك تنظيمات محسوبة على تنظيم القاعدة كجبهة النصرة بأسمائها المختلفة (في إشارة إلى جبهة فتح الشام)، ينبغي أن تعاقب على ما ارتكبته من جرائم”.
تحيل هذه التصريحات في قراءتها الأولى الظاهرية إلى تركيا وربطها البعض بالتوتر بين أنقرة وموسكو، والذي لم تفلح في إخفائه مشاركتهما مع طهران، في اتفاق مناطق التهدئة، ولا استبعاد الروس للأكراد من مؤتمر المعارضة السورية في سوتشي بسبب موقف الأتراك منهم.
وحذرت روسيا تركيا من ”التغاضي عن نشاط هيئة تحرير الشام”، حيث قال مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف، (أكتوبر 2017) إن “تركيا لم تنشئ مراكز مراقبة في إدلب ما جعلها بؤرة لنشاط العناصر الإرهابية”.
لكنّ الغوص في تاريخ العلاقة بين روسيا وتنظيم القاعدة، وتعمّد استخدام لافرورف وغيراسيموف لاسم جبهة النصرة، بدل فتح الشام (الاسم الذي اختاره التنظيم لفك الارتباط مع القاعدة)، يحيل إلى أبعد من الخلاف مع تركيا، التي بدأت بدورها تراجع حساباتها في سوريا، موجّهة دفتها نحو مناطق أخرى، خصوصا بعد إعلان روسيا عن تأسيس وجود عسكري دائم في سوريا.وبدا لمراقبين من خلال هذا التصريح أن روسيا قد شرعت في نزع القفازات والأقنعة في التعامل مع تركيا، ودشّنت المعركة المؤجّلة مع الجماعات المسلّحة المرتبطة بأنقرة، ووضع الأخيرة أمام الأمر الواقع الذي نجحت موسكو إلى حدّ بعيد في فرضه بسوريا.
رغم ما تردّد عن إعلان فك الارتباط بتنظيم القاعدة، من ذلك تصريح زعيم جبهة النصرة أبومحمد الجولاني، من خلال تسجيل بث على قناة الجزيرة عن إلغاء العمل باسم جبهة النصرة، وإعادة تشكيل جماعة جديدة باسم جبهة فتح الشام، ليس له علاقة بأي جهة خارجية، إلا أن شكوكا دارت حول طبيعة الانفصال.
وذهب مختصّون في شأن الجماعات الجهادية إلى اعتبار هذا الإعلان براغماتية من جبهة النصرة من جهة إظهار الامتثال لطلب تركيا إعلان الانفصال عن القاعدة من أجل تقديم الدعم والتعاون في الشمال السوري.
وتجلّى أبرز تعاون بين الطرفين في شمال حلب، حيث أعلنت جبهة فتح الشام في بيان رسمي التنسيق مع تركيا ضمن عملية درع الفرات.
ويبني الخبراء فرضية عدم فك الارتباط بشكل وثيق بين “النصرة” وتنظيم القاعدة على ردّ زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري على إعلان الجولاني بقوله “بوسعها (جبهة النصرة) التضحية بالروابط التنظيمية مع القاعدة إذا كان ذلك لازما للحفاظ على وحدتها ومواصلة المعركة في سوريا”.
وأضاف الظواهري أنّ “أخوّة الإسلام التي بيننا هي أقوى من كل الروابط التنظيمية الزائلة والمتحوّلة وأنّ وحدتكم واتحادكم وتآلفكم أهم وأعز وأغلى عندنا من أيّ رابطة تنظيمية”.
وتقول الخبيرة في شؤون القاعدة آن ستينرسن إن “استراتيجية القاعدة ليست ثابتة بل هي استراتيجية مرنة وانتهازية، وتاريخ القاعدة حافل بالأحداث العرضية التي كان لها وقع عميق على مسار التنظيم”.
وتشير إلى أن إحدى نقاط القوة عند القاعدة هي قدرتها على التعلم من أخطاء الماضي، ففي مراسلة بين بن لادن وفروع للقاعدة في اليمن في 2009 - 2010 أوضح بن لادن بأن القاعدة في الجزيرة العربية يجب ألاّ تعيد أخطاء القاعدة في العراق عند التعامل مع القبائل المحلية. وتم نقل ‘دروس مستخلصة’ مشابهة من القاعدة في الجزيرة العربية إلى القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في سنة 2012”روسيا تثأر من تنظيم القاعدة
أصل المعركة
يتساءل البعض من المتابعين عن أسباب التركيز على تنظيم القاعدة في حين أن مختلف التقارير تشير إلى خطر تنظيم الدولة الإسلامية ما زال مستمرا رغم خسارته في العراق وسوريا، وذلك عبر المقاتلين العائدين، ومنهم عدد كبير من المقاتلين الذين جاؤوا من الشيشان والقوقاز وغيرهما من المناطق المحيطة بروسيا إضافة إلى روسيا نفسها.
ويجيب البعض من الخبراء بالإشارة إلى إمكانية عودة العلاقة بين داعش والقاعدة وأيضا باعتبارهما ينهلان من نفس المرجع، واستهداف القاعدة سيؤثر بشكل أو بآخر على داعش، فيما يذهب آخرون إلى القول إن تنظيم القاعدة هو الأخطر على مصالح روسيا في سوريا باعتبار أن جبهة فتح الشام تعدّ التنظيم الجهادي الأقوى بعد انهيار تنظيم الدولة الإسلامية وأيضا في علاقته ببعض الدول ومنهم تركيا، كما تشير نانسي عقيل، المدير التنفيذي لمعهد التحرير، إلى أن سوريا اليوم هي “الملاذ الأكثر أمانا لتنظيم القاعدة”.
في المقابل يذهب آخرون إلى أبعد من الوضع الراهن، ويعتبرون أن السبب الرئيسي للتركيز على القاعدة هو سبب تاريخي متأصّل في عقيدة الرئيس فلاديمير بوتين، العميل السابق في مخابرات الاتحاد السوفييتي (كا جي بي)، والذي سبق وأن اتهم في مناسبات عديدة “الولايات المتحدة باستخدام الإرهابيين لزعزعة الوضع السياسي الداخلي في القوقاز والشيشان”، وقال إن “واشنطن ساعدت على صعود تنظيم القاعدة الإرهابي وعليها أن تدرك مسؤوليتها عن ذلك”.
يحيل هذا الحديث إلى نشأة القاعدة من رحم الحرب ضد السوفييت في أفغانستان وكانت نواة هذا التنظيم ما يُعرف بـ”المجاهدين”، وهو مجموعة من المقاتلين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي جمعتهم المخابرات الأميركية لقتال “الجيش الأحمر الشيوعي المُحتل لأفغانستان المسلمة”.
بين سنتي 1987 و1989 شاركت المجموعة التابعة لأسامة بن لادن في معارك ضد القوات السوفييتية في أفغانستان. وبعد انتهاء الحرب تحوّل “الجهاد” إلى الشيشان مع اندلاع الحرب الأولى (1996-1992). وتم تدريب هؤلاء “المجاهدين” في معسكرات القاعدة في أفغانستان.
وانطلاقا من هذا التاريخ بين القاعدة (التي ساهمت في ظهورها الولايات المتحدة) وروسيا الاتحادية (وريثة الاتحاد السوفييتي)، يلخّص الخبير في شؤون الشرق الأوسط جون بيار فيليو، الحرب التي أعلن عنها بوتين منذ 2002، إلى إعلان لافروف بشأن جبهة النصرة، بقوله إنها حرب من “أجل سيادة الدولة”.ويقارن الخبراء بين الحرب ضد الإرهاب التي أعلن عنها الرئيس الأميركي جورج بوش بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 والحرب ضد الإرهاب أدت بعد سنوات من انطلاقها إلى تراجع الدور الأميركي في الشرق الأوسط، فيما ساهمت الحرب ضد الإرهاب التي تحجّج بها بوتين في عودته القوية إلى المنطقة.
ويميل المتابعون إلى اعتبار التصريحات بأن سنة 2018 ستكون سنة محاربة جبهة النصرة موجهة أساسا إلى القاعدة واشنطن. ومنذ فترة رئاسته الأولى في يناير عام 2000، دفع بوتين بفكرة القيام بحملة منسقة ضد الإرهاب مع القادة الأميركيين والأوروبيين. وكان من أول من أعلن عن قلقه بشأن معسكرات تدريب الإرهابيين في أفغانستان، وحذّر من الروابط التي تربط بين هذه المعسكرات والجماعات والشبكات الإرهابية المموّلة تمويلا جيدا والجماعات الإسلامية المسلحة في أوروبا وأوراسيا.
ودعّمت روسيا الحرب ضد طالبان في أفغانستان. وفي ديسمبر عام 2000 انضمّت موسكو إلى واشنطن في دعم فرض العقوبات من قبل الأمم المتحدة على طالبان، وناشدت بعد ذلك بفرض عقوبات على باكستان لمساعدتها تنظيم طالبان.
وبعد الهجمات التي تم تنظيمها على الولايات المتحدة، أشار بوتين إلى أنه كان يتوقع ضربة إرهابية كبيرة. ولم تكن هذه التوقعات سوى مسألة وقت حتى جاءت أحداث 11 سبتمبر التي صدمت الجميع، ولكنها لم تكن مفاجأة بالنسبة لبوتين.
ورغم أن الولايات المتحدة تصنّف جماعة فتح الشام/ جبهة النصرة، جماعة إرهابية، وسبق أن اتفقت مع روسيا على استبعاد الجماعة من اتفاق الهدنة (2016) بين نظام الأسد وفصائل المعارضة السورية والتعهد بضربها مع تنظيم الدولة الإسلامية والتأكيد على اعتبارها منظمة إرهابية، لا يتوقّع الخبراء أن تتشارك موسكو وواشنطن في الحرب ضد جبهة النصرة أو أي فرع آخر من فروع القاعدة المتمدّدة من الشرق الأوسط إلى العمق الأفريقي والتي تشكّل أكبر التحديات في سوريا وبشكل أكبر في ليبيا. وقد هدّدت مجموعة مرتبطة بتنظيم القاعدة تطلق على نفسها “كتيبة الإمام شامل” روسيا بدفع ثمن تدخلها في ليبيا وسوريا والشيشان.
ويمكن اعتبار الحرب التي أعلنتها موسكو ضد القاعدة (ممثلة في جبهة النصرة) حربا مصيرية بالنسبة للروس، مثلما ستكون، وفق البعض من الخبراء، بمثابة انتقام لتاريخ من العداء يمتد من حرب أفغانستان مرورا بحرب الشيشان وصولا إلى الهجمات الإرهابية التي شنّها تابعون للتنظيم على روسيا منذ تسعينات القرن الماضي.
وقد تبنّت كتيبة “الإمام شامل” الهجوم الإرهابي على مترو سان بطرسبورغ في روسيا في أبريل 2017. وقال بيان لها إن الاعتداء نفذ بـ”توجيهات من أيمن الظواهري”، زعيم تنظيم القاعدة.
ويقول جون بيار فيليو “الحرب على الإرهاب على الطريقة البوتينية في طريقها إلى الانتشار ولن تبقى محصورة في سوريا فقط”. ويحيل هذا الرأي إلى تصريح سكرتير مجلس الأمن الروسي نيقولاي باتروشيف جاء فيه أن “تنظيم القاعدة الإرهابي يملك شبكة خلايا سرية تنتشر في أكثر من 80 دولة، بما في ذلك في الولايات المتحدة وكندا”.
وأشار باتروشيف إلى أن “التنظيم قام بتغيير تكتيكاته والتركيز على إنشاء خلايا إرهابية سرية مستقلة تنتشر في جميع أنحاء العالم لنشر العقيدة الراديكالية على أوسع نطاق، لكن واشنطن لا تزال تتصرف كما كانت تفعل خلال الحرب الباردة”، لذلك تعرض موسكو خدماتها لمواجهة هذا الخطر المزمن؛ حيث قال باتروشيف إن “الهيئات الأمنية الروسية المختلفة مستعدة للتعاون مع الهيئات المماثلة في الدول الأخرى، بما في ذلك تبادل المعلومات حول الجماعات الإرهابية والهجمات المتوقّعة والمحتملة من جانبها”، ولم يستثن الولايات المتحدة من هذا العرض.
تواصل روسي مع طالبان
بعد مرور 37 سنة على الغزو السوفييتي لأفغانستان (1979 – 1989)، حدث تحوّل كبير في العلاقة بين طالبان وروسيا، حيث أضحت طالبان في نظر الروس طرفا يمكن الاعتماد عليه لمحاربة الإرهاب.
ووصل الأمر إلى درجة أن أضحت موسكو تتكلم بالنيابة عن طالبان في المحافل الدولية وتحثّ العالم على إعادة النظر إلى هذا التنظيم المتشدد، وهي تسعى بذلك إلى ضرب عصفورين بحجر واحد، سحب البساط من تحت أقدام الأميركيين واستقطاب طالبان، خصوصا وأن خبراء كثيرين يرون أن طالبان عنصر رئيسي في أي حل للحرب في أفغانستان.
ويشير نعمان بن عثمان القيادي السابق في الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية وجيمس براندون الصحافي السابق المتخصص بشؤون الشرق الأوسط، في دراسة نشرها معهد كويليام البريطاني لمكافحة التطرف، بعنوان “علاقة القاعدة بطالبان: زواج غير سعيد؟” إلى أنّ ملامح أي حل للأزمة في أفغانستان تتضمن، كما يبدو، أن تلعب حركة طالبان دورا أكبر في الحكومة الوطنية الأفغانية، وأن تقوم القوات الأجنبية ببدء سحب وحداتها القتالية تدريجيا، في مقابل تعهد من طالبان بألاّ توفر طالبان مأوى لعناصر القاعدة، كما كانت تفعل قبل هجمات 11 سبتمبر 2001. ويضيف الباحثان أن طالبان تعتبر أن علاقتها بالقاعدة “تمنعها من الحصول على اعتراف دولي”.
واحتضنت موسكو في ربيع 20107 مؤتمرا حضره مبعوثون من الصين وباكستان لمناقشة الحرب في أفغانستان. وكان لافتا حث موسكو المجتمع الدولي على أن يكون مرنا في التعامل مع طالبان.
وأعلنت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية، عن اتباع “نهج مرن لإزالة بعض شخصيات طالبان من قوائم العقوبات المفروضة من الأمم المتحدة كجزء من الجهود الرامية إلى تعزيز الحوار السلمي بين كابل وحركة طالبان”، وترمي موسكو من خلال ذلك إلى قطع الطريق على تنظيم القاعدة لاستعادة العلاقة القوية مع طالبان مع تحضيراته للعودة إلى المشهد الدولي بعد تراجع داعش.