لم يأت اختيار محمد شطح لينضم الى لائحة شهداء الاستقلال عن عبث، فقد جرى استهداف رجل الحوار والعقل والتخطيط الهادئ والباع الطويل في الديبلوماسية المتعددة الوجه. اغتيل شطح، وكان آخر المنضمين الى اللائحة التي بدأت بمحاولة اغتيال اولى فاشلة لمروان حماده الذي شكل لمدة طويلة حلقة الوصل بين قطبي معركة السيادة المسلمين رفيق الحريري ووليد جنبلاط، وانطلقت الاغتيالات الناجحة بذروة العنف مع رفيق الحريري في شباط ٢٠٠٥.
صحيح ان رفاق محمد شطح احيوا ذكراه بالامس، وركزوا على معنى اغتياله وعلى الاسقاطات الراهنة لشخصيته الحوارية، لكن الاهم ان كل الذين استذكروه البارحة كانوا على علم بهوية القاتل، وبالرغم من ذلك، وباسم الحوار والاستقرار سكتوا عن توجيه اصابع الاتهام الى القاتل القابع بينهم وبيننا.
لقد اصاب الرئيس سعد الحريري حين ركز على قيمة الحوار لحماية الوطن، وهذه ميزة يتمتع بها كرجل دولة، لكن الحوار الذي نادى وينادي به سعد رفيق الحريري هو حتما غير "الحوار" الذي يشكل "ميزة" القتلة القابعين بيننا. وهذا تماما ما ينبغي للحريري ان يتذكره دوما. فـ"حوار القتلة" إياهم بني منذ اللحظة الاولى على فرض معادلة الارهاب والترهيب لقلب موازين القوى الداخلية، أكان في السياسة أم في الاجتماع. وقد شكل اغتيال شطح رسالة مفادها ان سيف الارهابيين طال وسيطول اكثر الاستقلاليين وسطية ورغبة في الحوار مع الخصم. والحق ان شطح كان يرى في القتلة خصوما، فيما كانوا هم يرون فيه وفي رفاقه اعداء مهدورة دماؤهم، ولو تشاركوا معهم في الحياة تحت سماء واحدة.