"جنيني قُتِل في بطني بطعنات الموت.. إنَّه الملاك الذي أراهُ في الجنة الآن.. نعم، لقد عدتُ إلى الحياة بعدما واجهتُ الموت بعينيَّ".. بهذه الكلمات، نطقت السيدة إسعاف أبو خشفة، التي طعنتها عاملةٌ أثيوبية قبل أشهرٍ ببلدة برجا، في جريمةٍ اهتزَّ لها الرأيُ العام اللبناني بأكمله. بعد أشهرٍ على تلك الفاجعة، أصدر قاضي التحقيق في جبل لبنان كمال نصار، قراره الظني بحق العاملة، وقضى بإنزال عقوبة الإعدام بها، سنداً للمواد 549 و201/549 عقوبات، و573 عقوبات و73 أسلحة، مجتمعة. أحال نصار الجانية إلى المحاكمة أمام محكمة الجنايات في جبل لبنان، لاتخاذ المقتضى القانوني والقضائي المناسب بحقها.


أيام ولحظات ما قبل الجريمة

خلال رحلة علاجها من جروح 36 طعنة في جسدها، شاءت اسعاف بعد تردُّد، الخروج عن صمتها، والإفصاحِ عمَّا حصلَ معها للرأي العام. تروي "اسعاف" التي انتقلت للعيش مع زوجها في قطر، في حديثٍ لـ"لبنان 24"، تفاصيل ما حصلَ معها، قائلةً: "يوم الثلاثاء بتاريخ 23/5/2017، كنتُ بمنزلِ أهلي في برجا لوحدي أنا والخادمة. عند الساعة الواحدة ظهراً، دخلت الخادمة إلى غرفتي ومعها سلاح صيد، وقامت بضربي على رأسي. حينها، كنتُ في آخر أيامِ حملي، وكان مقرراً أن أضع مولودي خلال أيامٍ. حينما ضربتني على رأسي، لم أقوَ على الحركة، وما لبثت أن سحبت سكينةً كانت تضعها في بنطالها، وانهالت عليَّ بالطعنات، ومنذ تلك اللحظة، فقدتُ الوعي تماماً".

تضيفُ اسعاف: "في يوم الجريمة، قمت بتحضيرِ طبق الفول والحمص، ودعوت الخادمة لتناول الطعام معنا"، وتقول: "كان كل شيءٍ على ما يُرام، ولم نشعرُ بأي شيءٍ قط. تناولت الفطور معنا وباشرت أعمالها في المنزل". بحسب اسعاف، فإنَّ "الخادمة قبل أيامٍ على الجريمة، بدأت تصرخُ على شرفة المنزل، وحاولت رمي نفسها. إلاَّ أن أمي (والدة اسعاف) أنقذتها في اللحظات الأخيرة، وأدخلتها إلى المنزل، وقامت بتهدئتها. حينها، طلبت الخادمة من العائلة إرسالها إلى مكتب الإستخدام لترحيلها إلى أثيوبيا". تتابع اسعاف: "بالفعل، هذا ما حصل قبل يومٍ من الجريمة، إذ قام أهلي بأخذ الخادمة إلى مكتب الإستخدام، إلاَّ أن مديري المكتب رفضوا ترحيلها، وطلبوا منها العودة إلى المنزل".

في حديثها، تلفتُ اسعاف إلى أنَّه "بعد الجريمة، وجد أهلها قصاصاتٍ من الورق في أغراضِ الخادمة، كُتبت عليها عبارات: القتل، أقتل الولد، منشار، سلاح"، وتضيف: "لقد تفاجأ أهلي بما حصلوا عليه من أغراضها، وحاولوا ترجمة المكتوب في الورق، وهذا ما فعلته أيضاً القوى الأمنية في تحقيقاتها، حيثُ تبيَّن للمحققين أنَّ هناك دوافع جرمية لدى الخادمة، بيَّنتها هذه الأوراق". وتقول: "بعد بحثٍ مستفيض، تبيَّن أنَّ في أثيوبيا عشائر تؤمن بقتل الأطفال، وهناك مناسبة لديهم تسمى بـ"عيد النحر"، وقد تكون هذه الخادمة متأثرةً بهذه الثقافة في بلادها، وقامت بتنفيذ فعلتها".

إلى ذلك، تنفي اسعاف كل ما قيلَ عن تعرض الخادمة للضرب والتعنيف، وتقول: "لقد كانت بمثابة فردٍ من العائلة. كنا نأكلُ سوياً، وكانت أمي تعاملها معاملةً حسنة، ولم نتجرأ يوماً على إهانتها. كل أقربائنا وجيراننا يشهدون على ذلك".

أريدُ أكثر من الإعدام

قرارُ الإعدام بحق الخادمة لن يشفي غليل اسعاف، وهي تريدُ عقوبة أكبر من الإعدام، وتقول: "القاضي حكم بالعدل لأجلي ولأجل ابني، وانا أحلم أن تتعذب هذه الخادمة كما عذبتني، أريدها أن تذوق العذاب قبل الإعدام، لأنها قتلت ابني وجنيني. ترى اسعاف أنَّ "ما حصل معها، إنّما يشكلُ عبرةً لجميع الناس، ويثنيهم عن استقدام عاملاتٍ أجنبيات إلى منازلهم". تقول: "خلال وجودي في المستشفى، قامت عاملة أثيوبية بطعن والد مدير عام وزارة الشباب والرياضة زيد خيامي، وبعدها، قامت عاملة أثيوبية في البقاع، بمحاولة قتل الطفل علي المولى من خلال وضع عصا "الممسحة" في فمه، ولاحقاً ألقت القوى الأمنية القبض عليها". وتضيف: "قمتُ بزيارة أهل الطفل المولى في المستشفى، ولمستُ لديهم استياءً كبيراً من واقع هؤلاء الخادمات، اللواتي يقدمن على ارتكاب الجرائم ببرودة أعصاب".

لولا برجا لمَّا عدت للحياة

خلال كلامها، لم تنسَ اسعاف ما قام به أهالي بلدة برجا تجاهها، وتعتبرُ أنَّها "لولاهم، لما كانت على قيد الحياة اليوم"، وتقول: "إنَّ دمي يجمع دماء أهل برجا جميعاً، ويحملُ دماء الكثيرين الذين هرعوا للتبرع بالدم من مختلف المناطق اللبنانية. حينها، كانت أزمتي في الدم والشرايين، لكنَّ نخوة أهل برجا ونجدتهم، ساهمت بتأمين الدماء لي. أقولها، وأنا فخورة بأبناء بلدتي، لأنهم يحبون بعضهم رغم أي شيء".

وعن وضعها الصحي، تؤكد اسعاف أنها "في تحسنٍ دائم ومستمر، ولديها مراجعات دائمة لدى الاطباء، خصوصاً وأنها تعالجُ جروح الطعنات التي طالتها، وكذلك آثار الضربة على رأسها". تقول اسعاف: "حالتي النفسية بحاجةٍ إلى استقرارٍ أكثر، لأني تعرضت لصدمتين: الصدمة الأولى هي أنني خسرتُ جنيني، والصدمة الثانية هي أنني تعرضت للموت. أحتاجُ الكثير من الوقت لأعود كما كنت، لكنَّ وجود زوجي وأهلي والناس بجانبي، يجعلني متمسكةً بالحياة أكثر وأكثر، ولديَّ يقين تام بأنَّ الله سيرزقني مولوداً جديداً. لقد مات جنيني في بطني، لكنه اليوم، هو شفيعي عند الله".