بمعزل عمّا رافقَ المواجهة المفتوحة منذ فترة بين قصر بعبدا وعين التينة حول المرسوم الخاص بتسوية اوضاع ضباط العام 1994 وإعطائهم سنة أقدمية تعويضاً عن عامين فقدوهما منذ بداية هذه الدورة، لا يبدو في الأفق ما يوحي بطيِّها قريباً إثر فشلِ الوساطات لهذه الغاية.
فما فرَض صدور المرسوم في الشكل الذي أصرّ عليه رئيس الجمهورية الرفضُ المسبَق له والذي شهدته احدى الجلسات التشريعية في نيسان 2014 عندما رَفضت الأكثرية النيابية إقرار اقتراح قانون كان قد تقدّمَ به عون عندما كان نائباً لتسوية اوضاع ضبّاط فازوا في امتحانات المدرسة الحربية لدورة الـ 1989 ايام رئاسته الحكومة العسكرية ولم يُسمح لهم بدخولها إلّا بعد عامين عندما اعتُرِف بنتائجها، وهو ما أدّى الى تأخير تدرّجِهم، فجاء المرسوم ليعيدَ لهم الحقّ بأقدمية سَنة بدلاً من سنتين.
على هذه الخلفيات أصرّ رئيس الجمهورية على المضيّ في المرسوم حاملاً توقيعَه ورئيس الحكومة ووزير الدفاع فقط تطبيقاً لِما قال به قانون الدفاع استناداً الى سوابق تجلّت في إصدار عشرات المراسيم المشابهة قبل «إتفاق الطائف» وبعده لا تحمل توقيعَ وزير المال بحجّة انّها لا تُرتّب أعباء مالية.
وانطلاقاً من حِرص رئيس المجلس النيابي على وجوب توقيع وزير المال الشيعي ايَّ مرسوم الى جانب توقيعَي رئيس الجمهورية الماروني ورئيس الحكومة السنّي عملاً بالمادة 54 من الدستور ومبدأ «الميثاقية»، اندلعت المواجهة بين بعبدا وعين التينة وبقيَ «بيت الوسط» متفرّجاً على الأزمة ملتزماً الصمت على رغم العتبِ الذي سجّله بري على تجاهل رئيس الحكومة توقيعَ وزير المال لحماية ما أقرّ في «إتفاق الطائف» من إصلاحات لا بدّ من التزام مقتضياتها لحماية الميثاقية بين اللبنانيين.
وأمام هذه الوقائع ظهر أنّ مرسوم التسوية تجاوَز النقاش في هذه المراحل وبوشِر تطبيقه من دون حاجة الى نشرِه كالمراسيم العادية في «الجريدة الرسمية». وأمام إصرار الفريقين على مواقفهما اندلعت حرب دستورية من نوعٍ آخر اعتقَد البعض أنّ الطرفين ارتكبا أخطاء بارزة.
فإشارة بري أوّل من أمس الثلثاء الى تجاهلِ توقيع وزير الداخلية ايضاً للمرسوم لوجود عددٍ من ضبّاط قوى الأمن الداخلي من مستحقّي التسوية في متنِه لم يكن موفّقاً، فلم يتنبّه الى انّ المرسوم خاص بضبّاط الجيش وخالٍ من اسماء ضبّاط قوى الأمن الذين خُصّص لهم مرسوم آخر.
ولمّا كُشِف عن وجود المرسوم الآخر الخاص بضبّاط قوى الأمن تساءل وزير المال عن اسباب إحالته إليه لتوقيعه دون المرسوم الآخر، جاءَه الجواب بانتفاء أيّ خطأ، فهو لا يمكن ان يتوافق ومضمون قانون الدفاع الخاص بالجيش من دون غيره من المؤسسات العسكرية والأمنية. ولذلك أحيلَ اليه ومعه مجموعة المراسيم الخاصة بالترقيات التقليدية النصف سنوية التي يخضع لها ضبّاط الجيش والقوى الأمنية المختلفة.
وأمّا هذه المعادلة السلبية التي لا يمكن التكهّن بما ستؤول إليه إثر فشلِ كلِّ الوساطات حتى الآن، بَرز توقيع وزير المال «جزئيا» مراسيم ترقية الضبّاط النصف سنوية من مختلف الأسلاك ظهر أمس الأوّل بعدما تبيَّن له أنّ المراسيم المتعلقة بالترقيات من رتبة «مقدّم» الى «عقيد» ومن رتبة «عقيد» الى «عميد» تجمع في متنِها ضبّاطاً ممّن شَملهم مرسوم تسوية الأوضاع الذي رفضَ إمراره بلا توقيعه، ما قاد الى تسعيرِ الخلاف في «حرب المراسيم» كما يسمّيها البعض، الأمر الذي لم تكن تتوقّعه دوائر بعبدا التي تبلّغَت قبل ايام أنّ مرسوم الترقيات التقليدي لن يكون مادة خلافية مهما بلغ الخلاف حول مرسوم التسوية الخاص بضبّاط دورة الـ 94.
وبناء على ما تقدم ترصد المراجع المعنية بدقة التطوارات المرتقبة في الأيام المقبلة، خصوصا عند اكتشاف ان رئيس المجلس النيابي ووزير المال لم يسألا عن توقيع وزير المال في حالات مشابهة، وتحديدا عند صدور مراسيم ترقية 300 ضابط من مختلف الرتب من الألوية والأفواج البرية والجوية التي شاركت في معركة «فجر الجرود»، واعتبرا انه مرسوم كامل المواصفات الدستورية والقانونية على رغم ما سيترتب على كل هذه المراسيم من تعويضات مالية.
وكذلك لم يسألا ايضا عن توقيع وزير المال المرسوم الذي اعطى الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء الركن سعد الله محي الدين الحمد أقدمية أربعة أشهر لتعيينه في موقعه الجديد بتاريخ 8 آذار 2017.
وأمام هذه المفاجأة وعلى خلفية استمرار الصمت في بعبدا على هذه الوقائع تترقّب الأوساط السياسية والعسكرية ردّة الفعل لدى رئيس الجمهورية وقيادة الجيش على مسافة ايام من تطبيق المرسوم الخاص بالترقيات المستحقّة للضبّاط ابتداءً من 1 / 1 / 2018 وما سيكون عليه الموقف. ولا يختلف المراقبون في تقديرهم للموقف على أنّ ما أراده بري من موقفه هو حماية الميثاقية فحسب.
وعليه سيركّز البحث في المرحلة المقبلة على إيجاد مخرج يسعى اليه احد الوسطاء البارزين الذي يدعو الى مزيد من الصبر للفوز بالنتائج المرجوّة «فالصبر مفتاح الفرج» على ما يقول، «وبعدها منِحكي عن شكل الحلّ ومضمونه وتوقيته الصحيح. وما على الجميع سوى الانتظار!».