شريط مواجهة الفتاة الفلسطينية عهد التميمي مع جنود الاحتلال الذين اقتحموا بيت عائلتها واعتقلوها، لا يزال يثـــــير نـــقاشات في مواقع التواصل الاجتماعي منذ عرضه الأول على شاشات التلفزيون: يرى بعضهم أن الجنود يظهرون خلال الشريط مسالمين فيما تظهر عهد «شرسة»، بل وحتى عدوانية فهي تهاجمهم بعنف وهم لا يردون، ويخلص أصحـــاب هذا الرأي إلى استنــتاج أنه شــريط يخدم الاحتلال.
هذا الجدال يعيدنا إلى حكاية القائد النازي الذي كان يشرف على إدخال المعتقلين إلى أفران الإعدام، فيما يجلس على باب المحرقة مسترخياً يستمع بمتعة لموسيقى باخ. هل كانت الموسيقى تغسله من القسوة وتطهره من جرائمه؟ وهل كان ضحاياه مدانين وغير حضاريين قياساً له هو الذي يعشــق الـــموسيقــى الكـــلاســيكية الهادئة؟
في المشهد التلفزيوني القصير جنود مدججون بالسلاح يحتلون بيت الفتاة الفلسطينية عهد لاعتقالها ولا يتورعون عن إطلاق الرصاص الحي والمطاطي من داخل بيتها على جيرانها ويحافظون في الوقــت ذاته على هدوئهم. جنود ارتكبوا جرائمهم بدم بارد لم يكلفهم مشقة الغـــضب والانـــفعال فــــيما ابنة السابعة عشرة تنفعل وتغضب لسبب بسيط لا يجوز أن يغيب من الجدال ولا من البال وهو أنها هي الضحية وأنهم احــتلوا بيــتها لاعتقالها.
ليست الحرب في فلسطين مشهداً تلفزيونياً، ومع ذلك فالمشهد التلفزيوني له هو أيضاً تأويلات تراه من حدقات مختلفة تتباين خلاصاتها بحسب الموقع والثقافة، ووفق قراءة كل واحد منا للتفاصيل التي تفقد قيمتها إن أخذنا كل واحد منها معزولاً عن المشهد في كليته وهي كلية تصعد بالمشهد من «حيادية» الدراما إلى ذروة التراجيديا الإنسانية. قيل والعهدة على الراوي أن المخرج السينمائي الراحل محمد كريم قام مرّة بغسل البقرة كي تبدو نظيفة في المشهد السينمائي ونسي على حد تعبير المخرج البديع توفيق صالح أن العلة لم تكن في البقرة، بل في الواقع المزري الذي تعيش فيه، والذي كان كريم يصور فيه فيلمه السينمائي.
هل نشير نحن أيضاً إلى العنف؟
بلى، ونشير بالذات إلى مصدر العنف وهو ببساطة: الاحتلال.
(راسم المدهون)