يبدو خيار تأجيل الانتخابات العراقية العامة، المقررة في مايو 2018، قويا الآن، مع تزايد المؤشرات بشأن صعوبة الإيفاء بالتزامات هذه العملية، قبل حلول موعدها، خاصة في ظل مخاوف من مقاطعة واسعة بين العراقيين الذين سئموا من وعود الطبقة السياسية.
ويعتقد مراقبون أن هذا الاستحقاق الانتخابي، ربما هو الأهم الذي تشهده البلاد منذ العام 2003. إذ يحل في لحظة تخلّص خلالها العراق من تهديد أخطر تنظيم إرهابي عرفه العالم وهو تنظيم داعش، كما تتزامن الانتخابات مع تنامي تيار النفور من أحزاب الإسلام السياسي التي أوصلت البلاد إلى حافة الهاوية، وكادت تدمر وحدتها.
وأبرز المؤشرات على إمكانية تأجيل الانتخابات في العراق، تتمثل في عزوف الناخبين المفترضين عن تحديث سجلاتهم لدى المفوضية العليا المعنية بإجراء الاقتراع، ما يعني عدم السماح لهم بالإدلاء بأصواتهم في موعد الانتخابات.
وتسبب فشل الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2003 في توفير بيئة عيش آمنة ومستقرة، بل ساهم انتشار الفساد والمحسوبية السياسية في إشاعة الإحباط بين السكان.
ويقول مراقبون إن الناخبين العراقيين ربما يختارون معاقبة الطبقة السياسية الحاكمة من خلال مقاطعة واسعة لأي اقتراع مقبل.
ومع أن ولاية رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي أشاعت شيئا من التفاؤل بين السكان، إلا أن حالة الإحباط ما زالت كبيرة.
وشدد العبادي مؤخرا، في أكثر من مناسبة، على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها. لكن سياسيين عراقيين مطلعين على كواليس النقاشات الحزبية، أبلغوا “العرب” بأن “العبادي، ربما يكون أكبر الرابحين من تأجيل الانتخابات”.
ووفقا للدستور العراقي، لا يمكن تمديد ولاية مجلس النواب، وهو السلطة المعنية بمراقبة أداء الحكومة، بعد نهاية مدتها القانونية، ما يتيح للحكومة التي تتحول إلى تصريف الأعمال، تنفيذ مهامها بلا رقابة برلمانية.
ويقول مراقبون إن العبادي، الذي تتزايد شعبيته باطّراد، يمكن أن يستغل فترة الفراغ الدستوري لتعزيز سلطاته في حال تأجلت الانتخابات.
وبالمجمل، تتردد الأحزاب الشيعية في العراق بين الالتزام بإجراء الانتخابات في موعدها وبين طلب تأجيلها.
ويقول مراقبون إن الطبقة السياسية الشيعية تخشى أن يؤدي نجاح العبادي في الحرب على داعش، وإدارة أزمة استفتاء كردستان، إلى حصوله على نتائج كبيرة في الانتخابات المقبلة، إذا ما أجريت في موعدها. في المقابل، تخشى هذه الأحزاب أن يقود انفراد العبادي بالسلطة، في حال تأجيل الانتخابات، إلى تعزيز شعبيته.
وتقول مصادر عراقية رفيعة لـ”العرب” إن “السفارة الأميركية في بغداد، وهي أحد أهم اللاعبين السياسيين في البلاد، ربما لن تمانع في تأجيل الانتخابات العراقية لستة أشهر”.
وتضيف هذه المصادر أن “الأطراف السياسية السنية تطالب السفارة الأميركية في بغداد بالتدخل لطلب تأجيل الانتخابات إلى حين إعادة نازحي المحافظات المحررة حديثا من تنظيم داعش إلى مناطقهم”.
ويقول ساسة سنة من الأنبار ونينوى وصلاح الدين إن هناك نحو مليوني نازح لم يتمكنوا من العودة إلى مناطقهم في هذه المحافظات الثلاث، بالرغم من مرور مدة طويلة على استعادتها من تنظيم داعش.
ولا تملك الحكومة العراقية المال اللازم لتأمين عودة النازحين، كما أنها تواجه عجزا كبيرا في تمويل عمليات إعادة إعمار المناطق المدمرة بفعل الحرب على داعش. ومعظم هذه المناطق تسكنها أغلبية سنية.
وللمرة الأولى، منذ أول موعد انتخابي في 2005 بعد الإطاحة بنظام صدام، لا يبدو أن محركات التنافس الانتخابي في استحقاق مايو 2018 ستكون طائفية أو قومية.
واعتادت مكونات العراق الرئيسية الثلاثة، الشيعة والسنة والأكراد، على خوض الانتخابات العامة منذ 2005، بقوائم ذات صبغة طائفية وقومية صرفة. ولكن الانتخابات المقبلة، ربما تشهد كسر قاعدة الاستقطاب الطائفي والقومي في ظل تعدد الانقسامات داخل الكيانات السياسية التي تمثل المكون السياسي الواحد.
وانقسم التحالف الشيعي، الذي اعتاد الفوز في الانتخابات الماضية، إلى اتجاهات سياسية متعددة لم يعد ممكنا جمعها في كتلة واحدة بعد ظهور نتائج الاقتراع، وهي الطريقة التي ضمن المكوّن الشيعي من خلالها أهم المناصب في الحكومات المتعاقبة، منها منصب رئيس الوزراء، وذلك لأنها تحقق أغلبية نيابية مريحة.
ولم يكن حال السنة أفضل، إذ انشطرت الكتلة التي كانت تمثلهم وتعرف بـ”العراقية”، إلى أحزاب وتجمعات صغيرة يفتش كل منها عن حليف شيعي يضمن له المشاركة في السلطة.
وفي كردستان، عمقت تداعيات الاستفتاء، الذي أصر على إجرائه الزعيم الكردي مسعود البارزاني، الخلافات السياسية الكبيرة بين أحزاب الإقليم، ولم يعد ممكنا الحفاظ على إطارها الموحد الذي كانت تواجه به بغداد.
وبحسب مراقبين، فإن عزوف الأحزاب السياسية العراقية عن تشكيل التحالفات الكبيرة ذات الخلفيات الطائفية والقومية، يعكس قراءتها للتحوّل في مزاج الناخبين بشأن مستقبل تيارات الإسلام السياسي والأحزاب القومية التي تدير دفة الحكم في البلاد منذ 2005.
واتجهت أحزاب شيعية وسنية إلى رفع شعارات “مدنية” استعدادا للتنافس الانتخابي في 2018. ولكن مراقبين يعتقدون أن “هذه الحيلة، ربما لن تنطلي على الكثير من الناخبين”.