الرئيس ميشال عون، مصرّ: «المرسوم نافذ ولا يتطلب توقيع وزير المالية عليه، وامام المعترض طريق الاحتكام الى القضاء»، والرئيس نبيه بري مصرّ ايضاً: «المرسوم لا قانوني ولا ميثاقي ولا متوازن ولا قبول بتجاوز الوزير، ولا يمكن ان يمر وبالنسبة لي هو غير موجود».
وامّا الرئيس سعد الحريري شريك رئيس الجمهورية بتوقيع المرسوم، فعالق بين شاقوفين، فمن جهة يُماشي عون، ومن جهة ثانية لا يريد ان يكسرها مع بري، وبناء على النصيحة يتريّث في نشر المرسوم.
كل رئيس على موقفه وخلف ثوابته وقناعته؛ عون يحاول تصغير الازمة وحصرها بالبعد التقني القانوني ويستغرب «ليش مكبّرين هالمسألة!!».
الحريري الصامت كلياً، يشعر انه محرج بتوقيعه، ولكن ليس في اليد قدرة على التراجع.
والتبريرات التي ساقها لم تلق تفهّماً في عين التينة، بل اعتُبِرت «أسوأ من ذنب»، كان يستطيع ان يتلافى هذه الازمة، ولا يكون شريكاً فيها، وان يحول دون دخول البلد في هذه الاشكالية الكبيرة التي أطاحت كل الوَقفَة الوطنية معه التي سادت في البلد خلال ازمة الاستقالة ووجوده خارج لبنان، والايجابيات التي تجلّت بعدها وحوّلت العرس الوطني الذي كان يعيشه البلد الى يوم حداد وطني على العلاقات والصلاحيات!
وامّا بري، فأعطى الامر ما يستحقه، وقرر ان يخوض هذه المعركة بحجمها، فالمسألة بالنسبة اليه ليست تقنية، او مسألة سطحية عابرة. وبالتالي، لا يمكن ان يتهاوَن بما يعتبره مَسّاً بمحرّمات وطنية وطائفية وسياسية، وبما يتصل بجوهر العلاقة بين الطوائف الكبرى وبالمحددات التي رسمها اتفاق الطائف.
ولذلك، فإنّ بري، ومن خلال اعتراضه الفوري على المرسوم فور انكشافه صدفة، او بالأحرى خلال محاولة تهريبه على حد قوله، ومن خلال رسالته الشديدة اللهجة التي وَجّهها بالأمس في اتجاه عون كما في اتجاه الحريري، قرّر أخذ المسألة الى أبعد مدى ممكن، لأنّ هذه المسألة إن مرّت الآن بالطريقة التي يُراد فيها تمرير مرسوم الاقدميات، قد ترَتّب تمريرات اكبر وأخطر في المستقبل.
الى أين؟
الأزمة ما تزال في المربّع الأول، والمعالجات لم تنجح في إطفائها، وتشخيص المرض وتقديم الحلول اللازمة. اكثر من ذلك فقد تولّدت عنها ازمة ثانية بمحاولة تصغير الاولى وحد حصرها ببُعد تقني، والتغاضي عن الخلفية السياسية الحقيقية لها. وعن حيثيات العلاقة بين الرؤساء وما يمثلون من حيثيات وطنية وطائفية.
عون ليس في صدد التراجع، وبري في صدد الاستمرار في المواجهة وقطع طريق تمرير المرسوم، والحريري لا يملك أن يغيّر في الأمر شيئاً، وواضح انّ التناقض المفاهيمي بين عون وبري في مقاربة هذه الازمة، قد أسّس لبداية مشتعلة للسنة الجديدة.
لقد وعد اهل الحل والربط السياسي بأن يسير البلد في اتجاه انضباط عام في المؤسسات، وبعد عطلة الاعياد سيذهب بهدوء الى المحطة الانتخابية، الّا انّ المرسوم حرف مساره وسيدخل الى السنة الجديدة مع ازمة معقدة محبوكة بحبال التصعيد واشتباك سياسي معزّز بفقدان الانسجام بين الرئاسات، يُنذر احتدامه بفتح الابواب على ما هو أبعد من خلط اوراق سياسية، ومن السجال حول المرسوم والصلاحيات، إذ ربما تفتح على مسارات ترسم علامات استفهام حول الصورة السياسية بشكل عام، وحول ديمومة عمل ومصير الحكومة وسائر المؤسسات، وتهدّد بتشَظّي كل عناوين وملفات المرحلة المقبلة، وقد لا ينجو منها الملف الانتخابي الذي بدأ البعض يرسم من الآن، تكهنات تطيح بتحالفات معينة وترسم خريطة جديدة بتحالفات وتوجهات جديدة.
صار السؤال عمّن استشار او استشير او قدّم استشارة او حَرّض او حَثّ او أوعَز أو نصح بإشعال فتيل الاقدميات و»تهريب» المرسوم، في الخلف، فقد سبقته الوقائع.
واذا كان الأمل بالتراجع عنه من قبل مُعدّيه ضعيفاً جداً، فهل يشكل تجاوز توقيع وزير الداخلية على مرسوم الاقدميات، على ما كشف بري بالامس، الدافع القهري الى هذا التراجع عنه؟
بصرف النظر عن قانونية مرسوم الاقدميات او عدمها، فإضافة الى الخلل الذي يعتريه بعدم توقيع وزير المال عليه، يعتريه خلل آخر يتمثل بتجاوز توقيع وزير الداخلية، لأنّ من بين الضباط المعنيين بالمرسوم، ضباطاً من قوى الامن الداخلي، وبالتالي أيّ مرسوم يفترض ان يمهر بتوقيع الوزير المختص، فكما وقّع وزير الدفاع مرسوم الاقدميات يتوجّب توقيع الداخلية.
وقانوناً، اي مرسوم لا يحمل توقيع الوزير المختص لا قيمة له ويعتبر وكأنه لم يكن. ولطالما رَدّ مجلس النواب الى الحكومات مشاريع قوانين مُحالة الى المجلس بمراسيم من دون توقيع الوزير المختص.