مقتل قاض سعودي على خلفية مواقفه المعتدلة والداعية إلى النأي بشيعة البلاد عن الولاءات الخارجية، يسلّط الضوء مجدّدا على تورّط إيران في محاولات لإثارة فتنة طائفية في السعودية باستخدام تكتيك إيراني بات معروفا على نطاق واسع في المنطقة، ويقوم على استمالة البعض من أبناء الطائفة الشيعية ومدّهم بالأسلحة والأموال لضرب الأمن والاستقرار داخل بلدانهم، وهو المخطط الذي اصطدم بمتانة الجدار الأمني وقوة اللحمة بين مكونات المجتمع السعودي
 

أشار مسؤول أمني سعودي كبير إلى وجود دور لإيران في بعض الأحداث الإرهابية التي شهدتها المملكة، وخصوصا في المنطقة الشرقية، حيث توالى خلال السنوات القليلة الماضية الإعلان عن إحباط مخطّطات وتفكيك مجموعات تتحرّك على أساس طائفي لتهديد الأمن وزعزعة الاستقرار.

وفي معرض شرحه لملابسات مقتل قاض كان مختطفا على يد إحدى تلك الجماعات في بلدة العوامية بمحافظة القطيف، قال اللّواء منصور التركي المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية، إنّ المملكة “تواجه مجموعات إرهابية لها علاقات بإيران”.

وأشار في مؤتمر صحافي حول تفاصيل مقتل قاضي دائرة الأوقاف والمواريث في القطيف، محمد الجيراني إلى أنّ “الدول الراعية للإرهاب لا تترك أدلة على تورطها تدينها دوليا وهي تشكّل جماعات تتولى كافة مهام الإرهاب من دعم وتمويل نيابة عنها، وهذا ما نجده في جماعة الحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان”.

والقاضي الجيراني شيعي معروف عنه اعتداله، ومعارضته لأي تبعية لشيعة المنطقة لإيران، ودعوته لأبناء الطائفة للابتعاد عن سياسات طهران المثيرة للنعرات الطائفية.

وفي ردّه على سؤال بشأن إمكانية تورّط قطر في دعم الإرهابيين بالقطيف، قال اللواء التركي إنّ “بعض دول الجوار تدعم العناصر والتنظيمات الإرهابية بالقطيف وتستغلهم لتحقيق أهداف خاصة بها”.

وأضاف أن “هذه التنظيمات تتولى بالنيابة عن دول الجوار الداعمة للإرهاب عمليات التدريب والتسليح والتمويل، وكذلك الدعم اللوجستي لتجنيد عناصر من داخل المملكة، ويمتد الأمر نفسه إلى إيران ودعمها للحوثي الذي يرتكب جرائم تستهدف رجال الأمن على الحدود السعودية مع اليمن، وكذلك استهداف أبناء الشعب اليمني”.


اللواء منصور التركي: تواجه السعودية مجموعات إرهابية لها علاقات مع إيران
وشدّد التركي على أن تسليح العناصر الإرهابية تطوَّر بسبب الدعم المقدم لهم من دول الجوار، قائلا “هذه العناصر هاجمت قوات الأمن بقذيفة آر بي جي، ولديها قدرات على تصنيع العبوات الناسفة، وكل هذه الأمور اتضحت من العمليات الأمنية الموسعة”.

وحرص المسؤول الأمني السعودي على التوضيح بأنّ أسر الإرهابيين لا تتحمّل تبعات ما يقومون به، قائلا “لا نحمّل الأسر وزر هؤلاء الإرهابيين ولا نعرّضها لرقابة أو استجواب مرتبط بأي قضية، ونحن حريصون على عدم الزج بها في مثل هذه القضايا”.

وأعلنت وزارة الداخلية السعودية، الاثنين، مقتل مطلوب أمني وشرطي في تبادل لإطلاق النار، والعثور على جثة القاضي المختطف منذ نحو عام في القطيف بشرق المملكة.

ونقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية عن اللواء منصور التركي قوله إنّ الجهات الأمنية توافرت لديها معلومات عن قيام مختطفي الجيراني “بقتله وإخفاء جثته في منطقة مزارع مهجورة تسمى الصالحية”.

وبيّن أن التحقيقات كشفت “تورط المواطن زكي محمد سلمان الفرج وأخيه غير الشقيق المطلوب أمنيا سلمان بن علي سلمان الفرج، أحد المطلوبين على قائمة الـ23، والمعلن عنها بتاريخ يناير 2012، مع تلك العناصر في هذه الجريمة البشعة”.

وأشار إلى أن الجهات الأمنية باشرت إجراءاتها الميدانية في 19 ديسمبر الجاري، والتي أسفرت عن القبض على زكي الفرج، فيما قاوم المطلوب أمنيا سلمان الفرج رجال الأمن عند تطويق منزله وأطلق النار تجاههم، ما أدى إلى مقتل الرقيب خالد محمد الصامطي.

وأضاف أن “الموقف اقتضى حينها الرد عليه بالمثل لتحييد خطره، ونجم عن ذلك مقتله”.

وأوضح التركي، أن عمليات البحث الموسعة التي شملت منطقة مزارع مهجورة بلغت مساحتها أكثر من مليوني متر مربع، تمكنت من تحديد المكان الذي دفنت فيه الجثة، حيث قامت الجهات المختصة باستخراجها وهي بحالة متحللة. وبيّن أن الفحوص الطبية والمعملية للجثة وللحمض النووي أكدت أنها تعود إلى الشيخ محمد عبدالله الجيراني، وتبيّن وجود إصابة بطلق ناري تعرض لها الضحية في منطقة الصدر.

وقال المتحدث الأمني إن التحقيقات الأولية كشفت أن “أولئك المجرمين بعد أن اختطفوه اقتادوه إلى تلك المنطقة وقاموا بالتنكيل به ثم حفروا حفرة ووضعوه بداخلها ومن ثم قاموا بإطلاق النار عليه ودفنوا جثته فيها”.

واختطف الجيراني من أمام منزله في جزيرة تاروت التابعة لمحافظة القطيف في 13 ديسمبر من العام الماضي.

وفي أعقاب اختفائه تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو للجيراني يدعو فيه وكلاء المراجع الشيعية المحلية بالقطيف إلى عدم تحويل أموال الخمس إلى إيران والعراق ولبنان مشيرا إلى أنها يجب أن تذهب إلى الفقراء داخل البلاد وليس خارجها.