مشكلتها أنها فتاة، ولدت أو تعيش في مجتمع حرمها حقوق بديهية، مجتمع جعلها عرضة للاعتداء والتحرش تحت سقف القانون، قانون لا يحميها من الاغتصاب والضرب والقتل لأنهل بكل بساطة أنثى.
ولا تكمن المشكلة الأساسية التي تواجهها الأنثى العربية عموماً واللبنانية خصوصاً في عدم وجود قوانين واضحة تحميها وحسب، بل تبدأ مشكلتها في المجتمع الذي منعها عن التكلم عما تواجهه من تحرش أو اعتداء تحت سلطة "العيب" أو "شو بدك يقولوا عنا الناس؟"!
لكن "فرح" قررت أن تخطو خطوة أولى خارج إطار ما أسماه المجتمع بـ"المحرمات"، وروت لـ"النهار" تفاصيل التحرش الذي تعرضت له من قبل سائق سيارة أجرة كانت قد صعدت معه بمفردها للتوجه إلى الأشرفية.
التجربة التي عاشتها هذه الشابة تتكرر يومياً مئات المرات مع شابات غيرها، إلا أن التكتم عنها أصبح طبيعياً كالتعرض لها. لكن ماذا أوضحت قوى الأمن لـ"النهار"؟ وإلى أي مدى يتفاعل المجتمع مع المبادرات المحاربة للتحرش الجنسي كمبادرة "خريطة التحرش"؟
"استقللت سيارة أجرة من الطيونة متجهة الى الاشرفية. كنت بمفردي، جلست في الخلف، سألني السائق ان كان لدي علكة قائلا "العلكة بتريحني"، وحينما كنت أعطيه العلكة لمس يدي بطريقة غير مريحة، اكمل طريقه وبعد قليل وضع يده على عضوه الذكري واخذ يحركها بشكل دائم وينظر الي عبر المرآة واحيانا كان يلتفت الى الوراء".
بهذه الكلمات روت الشابة التي عرّفنا عنها باسم "فرح"، لعدم كشف هويتها، تفاصيل ما حصل معها في سيارة الأجرة، وذلك بعد انتشار الفيديو الذي وثق عملية التحرش مع لوحة السيارة عبر موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك".
وبعد توضيح مجريات القصة، أكد مصدر أمني لـ"النهار"، أنه "يصار الى التحقيق في حادثة التحرش في الاشرفية وملاحقة السائق في حال ثبتت التهمة عليه".
ما تعرضت له "فرح" ليس تجربة فريدة من نوعها، وعدد كبير من الناشطين الاجتماعيين يدركون هذا الأمر. ومن هنا انطلق موقع "متعقب التحرش" أو "Harass Tracker".
وشددت الشريكة المؤسسة في الموقع الالكتروني والناشطة النسوية ناي الراعي، في حديث لـ"النهار"، على ضرورة التكلم عن تجارب مشابهة، وقالت "كفى! حان الوقت لهذا الموضوع أن يصبح علنياً وأن يتحول إلى موضع نقاش".
ورأت الراعي أن "المشكلة تكمن في أن الفتيات اللواتي يتعرضن للتحرش يسكتن، وما حصل مع فرح هو بداية الطريق الصحيح، لا يجب أن نسكت".
وأسفت الراعي لأنه "وكأن السياق الطبيعي للأمور أصبح أن نتعرض للتحرش ونصمت، وكأن هذا النوع من الأمور طبيعي وما من خطأ للتحدث عنه".
وأضافت "بدأنا منذ سنتين العمل في موقعنا الإلكتروني الذي يتيح التبليغ السري عن التعرض للتحرش، أما أهدافه الأساسية فهي إتاحة المجال للنقاش الجدّي حول موضوع التحرّش، وتغيير مفاهيمه على المدى الطويل، والأهم إتاحة المجال لمن تم التحرّش بها لوضع المفاهيم بدلاً من الاستمرار في تبني مفاهيم تتعلق بالتحرّش صنعها من لا يؤمن بوجود هذا الجرم أساساً".
وأشارت الراعي إلى أن "هناك خط تواصل مع قوى الأمن، لكن لا وجود لقانون واضح وصريح يجرّم التحرش، لذلك يعتبر مجال عملهم ضيقاً، وهم يعملون معنا بقدر استطاعتهم".
سنون مرت، حروب وزلازل وأسماء لبنانية لمعت عالمياً ولا تزال شريحة كبيرة من مجتمعنا متمسكة بشعار "هو صبي وإنت بنت، هو بيقدر يعمل شو ما بدو إنت لأ"، هو الشعار نفسه الذي حوّل بعض "ذكور" مجتمعنا إلى وحوش كاسرة تنهش بالقانون براءة أنثى فقط لأنها أنثى! فهل تبصر قوانين حماية المرأة من التحرش النور او يبقى حقه التحرش وواجبها السكوت؟