هذا ملخص عما قد يحصل، بحسب تقديرات ثلاثة خبراء
 

في العام 2013، تنبّأ دونالد ترامب أن لا مفرّ للولايات المتحدة من خوض حرب مع إيران. في ذاك الوقت، لم يكن ترامب إلّا رجلاً ثريّاً وشخصاً يمينياً مزعجاً، ينتقد وزير الخارجية جون كيري على "فوكس نيوز"... لكن لاحقاً بصفته مرشّحاً رئاسياً، ومن ثمّ الرئيس، أصبحت سياساته ولغته الطنانة مستفزة بشكل صادم.

خلال حملته الانتخابية العام 2016، وعد ترامب بأن يعيد التفاوض على صفقة باراك أوباما التاريخية مع إيران بشأن الأسلحة النووية، وبالرغم من أنه لم يفعل ذلك، إلّا أنه وظّف في البيت الأبيض معادين لإيران، من ضمنهم وزير الدفاع جيمس ماتيس الذي رجّح ضمنيّاً أنّ يكون هناك توافق بين داعش وإيران.

بعد تولّي ترامب لمهامه، هاجم الحوثيون المدعومون من إيران سفينةً سعودية في اليمن، ما أدّى لمقتل شخصين. وسريعا وصف البيت الأبيض الحادثة بأنّها هجومٌ إيراني. في نيسان / أبريل، قال ترامب إنّ إيران لم تكن "تسمو لروح" الاتفاق النووي. وخلال رحلته إلى الشرق الأوسط في أيّار/ مايو، بدا أنّ ترامب منحاز بشكلٍ عنيفٍ للسعودية ضدّ إيران مقارنةً بسابقيه من الرؤساء، ثم واصل خطابه المعادي لإيران خلال زيارته لإسرائيل.

قبل مدّة، أعلنت إيران بأنّها أطلقت عدة صواريخٍ باليستية على شرقيّ سوريا مستهدفةً داعش انتقاماً لهجومٍ كان قد استهدف طهران، إلى جانب إسقاط طائرةٍ سوريةٍ من قبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، ما زاد من حدة التوتر في المنطقة.

هذه الحالة وضعت بعض الناس في حالةٍ من القلق الشديد. في صحيفة الإندبندنت، حذّر رجل الأعمال والناشط في مجال حقوق الإنسان أندرو ماكلويد من أنّ ترامب في طريقه للهجوم نووياً على إيران خلال عامين. وعلى الأغلب أنّ هذا مبالغٌ به، لكن إلى أيّ درجة؟

أحمد ماجديار هو مدير مشروع "إيران تحت المراقبة" في مؤسسة الشرق الأوسط. وفي ورقةٍ بحثية حديثة، قال إنّ الولايات المتحدة وإيران على "طريق التصادم" في العراق وسوريا. الفكرة أنّه بعد هزيمة داعش لن يكون للجماعات المسلحة المدعومة من إيران والولايات المتحدة عدوٌ مشترك. الخطر، بحسب ماجديار، هو "مواجهة محتملة بعض الشيء -ليس كثيراً - بين القوات المسّيرة من قبل الحرس الثوري الإيراني والقوات الأمريكية في الموصل".

وحتى بدون الصراع في سوريا والعراق، يبقى التوتر بين إيران والولايات المتحدة قائماً؛ توترٌ زاد سوءاً مع بداية السياسة الخارجية لإدارة ترامب. لذا يبقى السؤال: إن كانت الولايات المتحدة ستقصف إيران فعلاً - كما روّج لذلك الكثير من الجمهوريين الشعبيين أمثال سيناتور ولاية أريزونا جون ماكين - فكيف ولماذا سيحدث ذلك؟ وكيف بالضبط سيتشكل ذلك النزاع؟

هذا ما سألنا عنه ماجديار، وخبير العلاقات الدولية ستيفن زونس، وعمر لامراني المحلل العسكريّ الكبير في شركة الاستخبارات العسكرية ستراتفور. وهذه خريطةٌ للنقاط التي ناقشناها...

الخطوة الأولى : اشتعال التوتر في سوريا

بينما تستفزّ إيران الولايات المتحدة قليلاً بمعارضتها للمملكة العربية السعودية في اليمن، إلّا أنّ سوريا هي بؤرة التوتر الأكثر ترجيحاً لأيّ نزاعٍ جدّي بين أمريكا وإيران. وفقاً للامراني، فإنّ إيران تطمح بأن تحظى بخط تدفقٍ مستقر من الحركة التجارية إلى الساحل الغربي للبنان، وتخطّط لتحقيق ذلك عن طريق خلق مسلك إمداداتٍ ينطلق من طهران مروراً بـبغداد إلى سوريا وصولاً إلى لبنان. ومن منظور إيران، تقوم الولايات المتحدة بإعاقة هذه الجهود.

وبوجود هذا التوتر في الأجواء، قد يعرّض ترامب الاتفاق النووي للخطر عن طريق فرض عقوبات جديدة على إيران بطريقة غير عادلة من وجهة نظر إيران. "فالاتفاق هشّ وإذا ما انهار، يمكن أن يمضي الإيرانيون قـدماً في مزيدٍ من اختبارات الصواريخ الباليستية" بحسب لامراني، مضيفاً أنّ بإمكان عواقب المضيّ في تنفيذ تلك الاختبارات أن تـشعل حرباً.

(من المهم الإشارة هنا أنّ أحداً ممّن تحدّثت إليهم لم يعتقد أنّ حرباً فعليةً هي بأيّ حالٍ من الأحوال مرجّحة، إلّا إذا ما افتُعل حدثٌ غير متوقع البتة وأشعلها)

الخطوة الثانية : هجومٌ إرهابيّ

يعتقد زونس أن السيناريو الرئيسي الذي قد يتسبب بحربٍ هو هجومٌ إرهابيّ سوف يعتقد أنه وقع برعايةٍ من إيران ونفّذ ضدّ هدفٍ مثل إحدى السفارات الأميركية في أوروبا.

يخبرنا لامراني: "إيران تمتلك خلايا سرّية عبر العالم"، معبّراً عن العلاقات المعروفة جيداً لإيران بـ "حزب الله". وأضاف أنّ الراجح أن تقوم إيران بتنشيط خلايا حزب الله فقط في حال هوجمت أولاً.

لكن بحسب زونس، ليس من الضروري أن ينفّذ الهجوم من قبل إيران أو أحد أتباعها. بدلاً عن ذلك، يخبرني بأنّ النزاع قد يثار عن طريق "هجومٍ من مجموعةٍ إرهابية من نوعية القاعدة وداعش". مستاءً من سلوك إيران المعادي، ربما يتهم "ترامب الفعل الإرهابيّ على مجموعةٍ مدعومةٍ من إيران، ويستعين بذلك كحجّةٍ لمهاجمة إيران". وقد حدث ذلك من قبل، فقد كان هناك تنبّؤاتٌ بعد أحداث 11 سبتمبر مباشرةً أنّ هجوم 1996 في السعودية قد ألصق بإيران، وأنه كان من تنفيذ القاعدة. (ولا تزال الولايات المتحدة تلوم إيران رسمياً).

الخطوة الثالثة : تبدأ الولايات المتحدة بقصف منشآت إيران النووية

يقول زونس: "كانت الفكرة أن نقوم بالقصف والقصف والقصف ونحاول تدمير ما أمكن من المواقع الاستراتيجية".

كانت تلك هي الخطة المقترحة من قبـل السيناتور الجمهوري توم كوتون في العام 2015. بدلاً عن خوض اجتياح، قال في برنامجٍ إذاعيّ، "سيكون الأمر أكثر توافقاً مع ما فعله الرئيس كلينتون في ديسمبر 1998 خلال عملية ثعلب الصحراء"، وهي سلسلةٌ من الضربات على أهدافٍ عسكريةٍ عراقية.

خلال هذه المرحلة من تخيلنا للنزاع، أخبرني لامراني، سيكون لدى الاستخبارات الأمريكية معلوماتٌ جاهزةٌ ومصممةٌ للتأكد من أنّ الهجمات تـشكّل "خطةً شاملةً جداً جداً"، وذلك بالاعتماد على القوة الجوية إلى جانب الصواريخ العابرة التي يتمّ إطلاقها من البحر. يقول لامراني أنّ الطائرة الحربية بي تو ومقذوفاتها الخارقة سيكون لها دور، يقصد الـ MOAB -أكبر القنابل غير النووية التي تم استعمالها.

الخطوة الرابعة : تقوم إيران بتحريك قواتها البحرية

إيران ستقوم باستخدام سلاح البحرية لملاحقة البارجات الأمريكية. ففي العام 2016، ضجّت القوارب السريعة حول الخليج الفارسي، مجبرةً سفينةً أمريكية على تغيير مسارها. وبعدها بيومين، قال المرشح الرئاسيّ ترامب أنه سيفجّر أيّ قواربٍ إيرانيةٍ تحاول تكرار ذلك ضدّ سلاح بحريّته. وقد قام الإيرانيون بفعل ذلك مجدداً في آذار/ مارس، من دون ردّ من قوّات ترامب البحريّة.

لكنّ سلاح البحرية الأمريكي جيدٌ جداً في تفجير الأشياء، وجيدٌ أيضاً في القيام بذلك بشكل دراميّ للغاية، ومن الواضح أن ترامب يعلم ذلك. أخبرني لامراني: "يكون الإيرانيون عرضةً للخطر عندما يكونون في الموانئ وليس في عرض البحر. بالنسبة لهم، فرصتهم الوحيدة هي في أن يكونوا سريعين جداً، جداً".

يقول إنه وقبل أن تتمكّن الولايات المتحدة من تحديد تفاصيل استراتيجيتها، سيكون الايرانيون قد نشروا وحداتهم بحيث تكون زارعات الألغام قد تمركزت في البحر، تزرع الألغام، وقواتها تهاجم قبل أن تجلب الولايات المتحدة كامل قواتها للقضاء تماماً على الايرانيين".

الخطوة الخامسة : توقّفٌ كامل لتجارة النفط

إن لم تكن إيران قادرةً على تدمير طرّادٍ أمريكيّ بواسطة سلاحها البحري، إذاً ما الذي يمكنها فعله؟

يمكن لسلاحها البحري أن يعترض أعمال التجارة الدولية. إن كنت تظنّ أن الخليج الفارسي هو المنفذ الذي يأخذك إلى الموانئ الحيوية في الخليج العربي، إذاً فالباب إلى هذا المنفذ هو مضيق هرمز الذي لا يزيد عرضه عن 21 ميل، إذ يبرز جزءٌ من شبه الجزيرة العربية هناك مقترباً من شواطئ إيران. تخيّل أن تقوم إيران بإغلاق ذلك الباب.

يقول لامراني: "تلك صدمةٌ كبيرةٌ للاقتصاد العالميّ". هو لا يعتقد بأنّ إيران ستحاول القيام بأيّ شيءٍ قاسٍ نظراً لأنّ ذلك لن يتسبب بقطع تجارة النفط وحسب، بل والطعام عن دولٍ مثل قطر مثلا.

لكن إذا ما كنت قبطان سفينة شحنٍ، يقول لامراني، فإنّ وقوع حربٍ في المنطقة كاف لإبقائك خارج المنطقة إلّا إذا اعتقدت أنّك في أمان. لذا، بطريقةٍ أو أخرى، إلى أن تأتي الولايات المتحدة بسفنها لفتح المضيق، أخبرني: "عملياً، التهديد وموقع صواريخهم المضادة للسفن، سيكون في الواقع حاجز منع".

الخطوة السادسة : تورّط باقي دول الشرق الأوسط

تشغّل الولايات المتحدة العديد من القواعد في المنطقة. لا تستطيع إيران فعل الكثير لمنع الوحدات المتمركزة في هذه القواعد من شنّ هجمات، لكن بمقدورها على الأقل أن تسبب لهم الأذى بصواريخها غير النووية متوسطة المدى. بإمكان إيران أن تستخدم أحد الصواريخ التي سببت الذعر حقاً لإسرائيل العام الماضي بمداها الذي يبلغ ألفي كيلومتر. ذلك المدى يعني أنّ قواعد أمريكية رئيسية في قطر والعراق ستكون عرضةً للخطر.

لكن بالطبع فإنّ مهاجمة الولايات المتحدة عن طريق الهجوم على هذه الدول ستكون لها عواقب. يخبرني لامراني: "إن قام الإيرانيون فجأةً بإطلاق الصواريخ، فمن الطبيعي أنّ ذلك سيـقحم تلك الدول في النزاع أيضاً".

وفقاً لرأي زونس، فإنّ إسرائيل سترغب بالبقاء خارج هذه الحرب الصغيرة، لكنّها لن تتمكن من ذلك. سينتهز حزب الله الفرصة، باعتقاده، للهجوم على إسرائيل في معاقلها التي لا تبعد كثيراً عن حدود إسرائيل مع لبنان. يخبرني زونس: "سواءً تورطت إسرائيل أو لم تفعل، سيطلق حزب الله عدداً كبيراً من الصواريخ عليها". يعتقد بعض المحللين أنّ من الممكن اجتياح اسرائيل من قبل قوات حزب الله البرية في المرة القادمة التي يشتعل فيها خلاف.

الخطوة السابعة : اجتياحٌ أمريكيٌّ آخر، والكثير من القتلى المدنيين

يمكن لتوم كوتون أن يصر قدر ما يشاء أنّ هذا النزاع لن يتطوّر إلى اجتياحٍ برّيّ، لكنّ الخبراء الذين تحدثت إليهم يعتقدون أنه من المرجح لبعض القوات على الأقل أن تلمس الأراضي الإيرانية. يقول لامراني أنّ البرنامج النوويّ الإيراني هو "كبيرٌ ومنتشر" لدرجة أنّه "من الصعب أن نتخيل ضربةً أمريكيةً شاملةً لا تؤدي إلى نزاعٍ ثقيل بين إيران والولايات المتحدة".

يتخيل زونس أيضاً: "عمليّات كوماندوس لتفجير بعض المنشآت الاستراتيجية، كذلك استهدافاتٌ للعلماء في المجال النووي". يخبرني: "سيحاولون قتل ما يمكنهم من العلماء النوويين. ستكون حصيلة القتلى من المدنيين مرتفعةً للغاية، لأنّ الكثير من هذه الأمور موجودةٌ في مناطق مدنية".

أحد العوامل التي يجب أخذها بعين الاعتبار أنّ ترامب خفّض من أولوية قواعد الاشتباك التي يمكن لها أن تتفادى المدنيين في سوريا والعراق، ما أدّى إلى زيادةٍ ملحوظةٍ في القتلى من المدنيين، بحسب مجموعات حقوق الإنسان.

لكن علينا ألا ننسى أنّ لدى إيران أيادٍ ترعى الإرهاب في الكثير من المعالم الجغرافية. رئيس إيران المعتدل حسن روحاني قد يروّج للخيار الدبلوماسيّ، لكن إن لم يوافقه في ذلك آية الله، فلن يكون لروحاني أيّ قولٍ في الموضوع. ولا سيطرة لروحاني على قوات الحرس الثوريّ الإيرانيّ ذات النفوذ – المرتبطة بحزب الله وبالحوثيين في اليمن. يشير لامراني أنّه سيكون هناك علاقة لجماعاتٍ مسلحةٍ في سوريا والعراق، إضافةً لخلايا في أفغانستان، وحتى أبعد من نطاق المنطقة".

يقول لي لامراني: "يمكن أن يصبح الأمر فوضوياً جداً بسرعةٍ كبيرة، ويمتدّ إلى العالم".