كان شعار الكتلة النيابية المؤلفة من 29 نائبا التي كان يرأسها العماد ميشال عون قبل ان يصبح رئيسا للجمهورية هو شعار التغيير والاصلاح، على اساس انه اذا وصل العماد ميشال عون الى سدة الرئاسة واصبح رئيسا للجمهورية فانه سيقوم بتنفيذ الاصلاح والتغيير في الدولة اللبنانية لا بل على مستوى الشعب اللبناني لكن الاهم المؤسسات الادارية والوزارات وعلاقة المواطن بهذه الادارات وبالحكومة وبالمسؤولين.
طيلة 40 سنة من الحرب ومن تداعياتها ادت الى تراجع الادارات العامة في الدولة والى عمل الوزارات والى ضرب المؤسسات بسبب الحروب التي استمرت 40 سنة واثناءها فترات الجمود، حيث الانقسامات الطائفية والمذهبية حادة، اضافة الى الانقسامات السياسية.
امام كل اصلاح وتغيير تقف الطائفية عائقا كبيرا امام الاصلاح، لكن اذا كانت الطائفية مرسخة في المجتمع اللبناني، فيمكن اعتماد مبدأ الطائفية 6 و6 مكرر لكن على قاعدة الكفاءة من كل طائفة. فيمكن اختيار افضل 6 مسيحيين مقابل افضل 6 مسلمين.
كان الشعب اللبناني ينتظر من فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تطبيق مبادئه في شأن التغيير والاصلاح على قاعدة ان قناعة تامة بأن التأخير في معالجة مواضع الخلل سيؤدي الى تفاقم الوضع مما يؤثر سلبا على المجتمع ويضعف بالتالي ثقة الشعب اللبناني برئاسة الدولة وبالمجلس النيابي وبرئاسة الحكومة ويحد من فعاليتها، ذلك ان الادارة العامة في لبنان على مستوى كامل مؤسساتها وخاصة الوزارات، تعاني من حالة متفاقمة من الفساد اذ لم تشهد البلاد اي محاولة جدية للاصلاح منذ 40 سنة كما ذكرنا.
اما اليوم وبعد انتخاب الرئيس العماد ميشال عون زعيم كتلة التغيير والاصلاح فان سنة وشهرين مرّا دون تحقيق اي اصلاح او اي تغيير، والاصلاح هو اقامة الثقة بين المواطن والمؤسسات الرسمية في الدولة وبين المواطن والوزارات اضافة الى اصلاح الوزارات ومؤسساتها. ولنبدأ مثلا بمجلس الخدمة المدنية وهي الدائرة المسؤولية عن الموارد البشرية في الجمهورية اللبنانية الهيئة الاولى للرقابة ضمن الادارة. وهي التي تعمل على خطة تحديث وتحسين اداء عبر مجموعة من الاجراءات الى وضع هيكلية استراتيجية لسياسة عامة تهدف الى تطوير عملية ادارة الموارد البشرية وتنظيم خطة تطوير مجلس الخدمة المدنية.
واذا كان الرئيس العماد ميشال عون قد ورث ارثا ثقيلا يعود الى 40 سنة لا بل يعود الى استقلال لبنان عام 1943 حيث كانت المحسوبيات تتم في الدولة اللبنانية على قاعدة ان تعيين الموظف يأتي من خلال طائفته وهذا الامر عرف جرى اعتماده اي نصف اسلامي ونصف مسيحي، فان الرئيس العماد ميشال عون بدلا من ان يجعل الكفاءة قاعدة لتعيين الموظفين المسيحيين والمسلمين، مما يؤدي الى قيام مجتمع مدني وادارة مدنية من خلال مسؤوليتها لكنها مرتكزة على العرف الطائفي النصف اسلامي والنصف مسيحي، فانه قام عبر التيار الوطني الحر اي الحزب الذي يتزعمه رئيس الجمهورية، انما يتزعمه شكليا الوزير جبران باسيل الى تعيين الموظفين في الدولة اللبنانية على مستوى كافة الوزارات والادارات العامة وحتى ادارات خاصة تابعة لمؤسسات عامة على قاعدة انتمائهم الى التيار الوطني الحر.
وحصل التيار الوطني الحر على تعيين نسبة لا تقل عن 80 في المئة من التعيينات المسيحية، فيما توزعت بقية التعيينات،
ربما ولسنا متأكدين على حزب القوات والكتائب والوزير سليمان فرنجية. وحتى الان لم يتأكد ذلك بل ان بعضهم يقول انه تم تعيين الـ 20 في المئة من اشخاص تدخلت لصالحهم شخصيات عامة.
اما بالنسبة الى المسلمين، فقد حاز تيار المستقبل بالتنسيق مع رئيس الجمهورية عبر ادارة مجلس الوزراء على الحصة الاكبر من تعيينات الطائفة السنية، فيما حازت حركة امل على تعيينات الحصة الشيعية بالتنسيق مع حزب الله كذلك حاز الوزير وليد جنبلاط على الحصة الاكبر من تعيينات الدروز رغم ان هذه التعيينات قليلة العدد.
هنا ضرب رئيس الجمهورية الرئيس العماد ميشال عون مبدأ عدم التبعية السياسية لدى الغالبية العظمى من الموظفين الحكوميين، وبدلا من ان تكون علاقة الموظفين مع الدولة وجدوا انفسهم ما هم الا وسيلة لخدمة مصالح الجهة التي اتت بهم الى مناصبهم، وهذا ما ادى الى تكريس نظام الفساد الاداري واصبحت الضوابط والاجراءات المراقبة لعملهم ضعيفة جدا لانهم محسوبون على القوى الكبرى التي تحكم لبنان.
لو قام رئيس الجمهورية بتكريس مبدأ عرف 6 و6 مكرر اي نصف مسيحي ونصف اسلامي واقام المباريات عبر مجلس الخدمة المدنية على قاعدة الكفاءة لكان جاء بأفضل الموظفين من المرتبة الخامسة حتى المرتبة الاولى عبر مجلس الخدمة المدنية.
واكد ان مزايا المبدأ والغرض والشخصية تشكل للمدير او الموظف الحكومي المنطلق الاخلاقي الذي يقوم عليه في تفكيره وقراراته وافعاله.
كذلك على قاعدة الاصلاح، لم يتم وضع آلية للتنسيق بين المديرين العامين في الوزارات وفي القطاع العام فيما يتعلق بالهيكلية الادارية، والذريعة هي ان كافة القوى السياسية موافقة على هذه الهيكلية الادارية القائمة وعلى اساس انها مؤقتة.
اصبح الموظفون بعد تعيينهم من قبل التيار الوطني الحر وتيار المستقبل والفاعليات السياسية بنسب قليلة هي الاساس لولاء الموظف لمن جاء به الى وظيفته، بدل ان يطمح هذا الموظف من مكانه الى خدمة المواطن، والى الفصل بين الادارة العامة والموظفين من جهة والشؤون السيايسة من جهة اخرى، طالما انه لا يمكن الخروج من الاطار الطائفي للتعيينات، لكن يمكن الخروج من الاطار السياسي للتعيينات عندما تقوم مؤسسات الدولة باجراء هذه التعيينات.
كما ان هذا امر يؤدي الى بروز مخاوف من طريقة التعامل مع مسألة عدم تطبيق هذا المبدأ وتسود مثل هذه المحاولة على الذين لم يتأثروا بالفساد والذين لم يأتوا منهم خلال تعيينات تابعة للسياسيين، هذا جعل الادارة في عهد الرئيس العماد ميشال عون معطلة وانتشر فيها الفساد اكثر بدل ان يكون مبدأ الكفاءة هو الاساس في ايصال الموظفين على قاعدة تطبيق عملية الاصلاح خطوة خطوة والاعتماد بالشكل الرئيسي على خطط قصيرة تبدأ بتعيينات المدراء العامين وموظفي الفئة الاولى والانتقال الى الفئات الادنى.
وقد نتج عن هذا الامر نقطة مؤثرة للغاية وهي ان اهتمام الشعب اللبناني باداراته ومؤسساته وبأن الاصلاح الذي كان يرتجى من عهد الرئيس العماد ميشال عون، اصبح موضع شكوك كبيرة وان الاصلاح لن يحصل والمواطن الذي هو محرك رئيسي في اغلب الاوقات اصبح اليوم يحرض الموظف الحكومي ويدفعه نحو الفساد كي يدفع له رشوة لتأمين معاملة ادارية معينة في المرتبات الثالثة والثانية والرابعة وحتى الفئة الاولى.
اما هؤلاء الموظفون الذين تم تعيينهم في السنة الاولى وشهرين من عهد الرئيس العماد ميشال عون وحكومة الرئيس سعد الحريري والوزراء فقد اصبح يشعرون بأنهم محميون من القوة التي جاءت به وعلى رأسها التيار الوطني الحر وتيار المستقبل اضافة الى قوى سياسية اخرى اوصلت هؤلاء الموظفين الى مراكزهم.
كذلك غاب منح الفرصة للمواطنين كي يعبروا عن ارائهم وافكارهم بالنسبة الى استرجاع ثقتهم بالادارة، فاصبح كل من يقول ان هنالك فساداً هو معارض للعهد او لحكومة الرئيس سعد الحريري، في حين ان هذا الامر ليس صحيحا، لان تعبير المواطنين ومنحهم الفرصة كي يعبروا عن ارائهم والاشارة الى الفساد، يعتبر اشراك للشعب اللبناني في التحرك الاصلاحي على درجة عالية من الاهمية، لان الشعب هو المحيط الذي يشتمل كل مراحل الانتاج والتبادل والمعاملات الادارية ويشكل وهو الجزء الكبير والاكبر في الدولة اللبنانية عبر القطاع الخاص، الى شبه مواطن يحاسب بشكل واضح ومميز للفساد بعيدا عن قضية المعارضة والموالاة.
كذلك كان يجب على الرئيس العماد ميشال عون ايجاد هيئة تعنى بالادارة العامة للموارد البشرية على كل الصعد وان تكون مسؤولة مباشرة امام مجلس الوزراء، لكن في الوقت الحالي هنالك وزير الدولة لشؤون التنمية الادارية وهي وزارة دون حقيبة وزارية ودون مسؤوليات تنفيذية فيما تم انشاء وزارة للفساد يرأسها الوزير تويني وهي وزارة غير تنفيذية وليس لديها سلطات تفتيش فعلية وفق قوانين اقرها مجلس النواب واعطاها هذه الصلاحيات كي تحيل الملفات وتعمل على مراقبة اعمال الادارة العامة على مستوى كافة المؤسسات العامة والوزارات لرفع ذلك الى القضاء.
اما وزارة التصميم في لبنان فهي غائبة وهي حاجة ماسة للدولة اللبنانية لانها تؤدي دورا محوريا وموازيا سواء لوزارة الاصلاح الاداري ام لوزارة مكافحة الفساد.
ولا يجوز خلال سنة وشهرين ان لا يحصل تقدم واحد في المئة في مجال الكهرباء خلال العهد الحالي، بل على العكس تراجع قطاع الكهرباء الى مزيد من التقنين ونحن لا نتحدث عن مشاريع كبرى في البلاد بل نشير ايضاً الى قضية هي اولوية الامور لدى الناس، فكيف تملأ جبال النفايات والمكبات الاحراج والقرى والبلدات من نفايات ووزير البيئة والحكومة غائبان عن هذا الملف.
اما التغيير الذي كنا ننتظره فهو طريقة عمل الدولة اللبنانية، خاصة وان المطلوب بعد جمود طال اكثر من 30 سنة على مستوى مؤسسات الدولة ان يتم عقد اجتماعات مرتين في الاسبوع او ثلاث للحكومة لمدة 3 اشهر وربما 6 اشهر لوضع السياسة الاقتصادية والسياسة الدفاعية والسياسة الخارجية والسياسة البيئية والسياسة التربوية والسياسة الامنية والسياسة الصحية ويكون ذلك من خلال تكليف مجلس الوزراء للجان فنية من اهم الاخصائيين القادرين خلال شهرين على تقديم دراسات متكاملة يدرسها مجلس الوزراء لمدة شهر ثم يضعها في مراسيم حكومية ترسل الى المجلس النيابي لمناقشتها لتصبح معتمدة من قبل الدولة اللبنانية ويكون للدولة اللبنانية سياسات واضحة في كل المجالات بدلا من ان يتصرف كل وزير على هواه ودون ان تسير الدولة كسفينة هائمة لا تعرف اين تجري الرياح ومن دون شراع ومن دون هدف حيث لا تبحر نحو مرفأ أمين.
نسأل خاصة وان موقف فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يقول بأن سلاح المقاومة هو حاجة للبنان وهذا موقف عظيم من رئيس جمهورية لبنانية دولة عضو في الجامعة العربية وعلى حدودها عدو اسرائيلي، لكن بكل سهولة و الرئيس العماد ميشال عون يعرف ان لدى الجيش اللبناني نواب رؤساء اركان ورئيس اركان ومكاتب دراسات وقائد جيش يمكنهم وضع خطة دفاعية ورفعها الى مجلس الوزراء ودراستها واقرارها في مجلس النواب عبر الاكثرية او سقوطها امامه، وعندها يتم التفتيش عن خطة دفاعية اخرى وفق الاكثرية التي عارضت الخطة المطروحة.
وعندها لا يعود موضوع سلاح المقاومة مطروحا كل يوم لتصريحات متناقضة في حين انه عندما يتم وضع سياسة دفاعية تقرها قيادة الجيش والحكومة اللبنانية ويقرها مجلس النواب ويوقع عليها رئيس الجمهورية يصبح الامر منتهيا كذلك بالنسبة الى السياسة التربوية والبيئية والادارية والاقتصادية والامنية وغيرها.
اما فخامة الرئيس العماد ميشال عون فعنده 5 سنوات وهو وقت ثمين للغاية لا يجب اضاعته واذا كان فخامة الرئيس ما زال مصرا على مبدأ الاصلاح والتغيير كما ناضل سواء عندما كان لمدة 40 سنة في الجيش اللبناني ومدة 20 سنة في الحياة العامة من رئيس حكومة انتقالية الى منفى الى خوض انتخابات والى اتخاذ مواقف سياسية، امامه 5 سنوات وهو وقت ثمين اذا اراد فان بامكانه اجراء الاصلاح والتغيير خطوة وراء خطوة، والشعب اللبناني لا ينتظر عجائب بل ينتظر البدء بالخطوات المتلاحقة والمتدرجة حتى يصبح بعد 3 سنوات لديه مؤسسات عامة ووزارات وسياسات محددة تعمل على رفع مستوى الزراعة والصناعة والتجارة والخدمات العامة والقطاع المصرفي والسياسة الدفاعية والسياسة التربوية والسياسة البيئية والسياسة الادارية وسياسة الانماء والاعمار من خلال عقد جلسات مكثفة خلال الاسبوع ولا يكون العمل روتينياً جلسة لمجلس وزراء كل اسبوع او اسبوعين وعندها بعد 3 سنوات تنشأ بين المواطن والدولة الثقة المطلوبة بأن الاصلاح والتغيير قد حصل فعليا، لكن السنة الاولى من عهد فخامة الرئيس العماد ميشال عون والسنة الاولى من عهد حكومة الرئيس سعد الحريري لم تؤد الى اي اصلاح وتغيير على مستوى الدولة اللبنانية رغم اننا نقول ان الارث ثقيل وكبير ولكن لا مفر من المعالجة والبدء بخطوة خلف خطوة لان طريق الالف ميل تبدأ بخطوة اولى.