تتوالى السنوات العجاف في بيئة دولية مضطربة. بعد العام 2016، والتي كانت السنة الفظيعة مع تفاقم الفوضى التدميرية في العالم العربي والإرهاب والبريكست والانتخابات الرئاسية الأميركية، لم تكن سنة 2017 أسوأ نسبيا لكنها أبرزت حجم التحديات من كوريا الشمالية، إلى فنزويلا وكتالونيا والنمسا وكردستان واليمن والقدس.
وهكذا نستشرف على أبواب 2018 المزيد من التحولات في الاقتصاد والديموغرافيا والصراع على الفضاء والاحتدام على الأرض في زمن الارتباك الكوني ربما يلخصه بشكل عام التجاذب أو التقـاطع بين نهجي الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأحادي الجامح والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الوسطي المنفتح، من دون نكران دور كل من كيم جونغ إيل المناور وفلاديمير بوتين المحارب وشي جين بينغ الإمبراطور القادم وغيرهم من أساطين مرحلة التنافس المحموم في ظل تصدع العولمة والوهن في القيم والنماذج.
بدأ ترامب عهده في البيت الأبيض بتهديد كوريا الشمالية بالويل والثبور، وفاجأه كيم جونغ إيل بمناوراته وقدراته وتكرار التحدي في تجاربه الصاروخية طوال عام 2017، ولا يستبعد أن تتمكن بيونغ يانغ من تطوير صواريخها الباليستية بهدف الوصول إلى الولايات المتحدة، وهذا ما سيضع الرئيس دونالد ترامب في موقف حرج ويمكن أن يقود إلى اختبار قوة يهدد التوازنات في شرق آسيا.
بعد مرور نصف قرن على أزمة الصواريخ في كوبا، نخشى في عام 2018 من انزلاق نحو مجابهة لها بعد نووي، خاصة وأن لا شيء يبدو في الأفق قادرا على إيقاف كيم الثالث وطموحه النووي.
جرى تفادي اندلاع نزاع في الأشهر الأخيرة بسبب تقييد الجنرالات رغبة ترامب في التصعيد، وتشكك مصادر أوروبية مطلعة بدور الصين في استخدام كوريا الشمالية من أجل اختبار قدرات واشنطن وردات فعلها من أجل ردعها عن التصدي لطموحات بكين، وربما هذا يفسر توجه ترامب لطلب تعاون موسكو في مسعى لتهدئة كوريا الشمالية، وربما التفاوض معها.
وإذ تعد المسألة الكورية سيناريو الخطر الجيوسياسي الأبرز في 2018، فإن ذلك لا يحجب سيناريوهات مقلقة في غرب آسيا بسبب سياسات إيران.
يعود “محور الشر”، حسب التعبير الأميركي، إلى الواجهة في الشهور القادمة وتدور حوله احتمالات الحرب والسلم. وربما يرتبط ذلك بمصاعب ترامب الداخلية حول التدخل الروسي في الانتخابات واحتمال التصعيد في الخارج. وفي سياقات التخبط الدولي تزداد عناصر القلق لجهة إدارة الفوضى وتوسع النزاعات في الشرق الأوسط وقوس الأزمات نحو أفغانستان والساحل.
وضمن توقعات 2018 لا تغيب عن البال مخاطر صعود اليمين المتشدد في أوروبا مع الحـالة النمساوية، أو التأكيد على خصوصية الهويات من كتالونيا في إسبانيا إلى جزيرة كورسيكا في فرنسا وغيرها.
ومما لا شك فيه أن العام 2018 أوروبيا سيكون عام التفاوض الشائك حول البريكست على ضوء الموعد النظري لإتمام إجراءات الطلاق الإنكليزي مع الاتحاد الأوروبي في 2019، وبالرغم من ضعف موقع رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، التفاوضي فليس من الأكيد أن تحسم كل الأمور خاصة أن عقدة الحدود مع أيرلندا وتحول الرأي العام البريطاني يمكن أن يخبئا مفاجآت إضافية.
بيد أن الاتحاد الأوروبي في 2018 لن تقتصر سيناريوهاته السياسية على مراقبة الصعود الشعبوي والهوياتي والخروج البريطاني وتأرجح موقع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تبعا لمتاعب تركيب أكثرية حاكمة، بل كذلك على التطلع إلى ما يجري في شرقه ووسطه (أوروبا الجديدة) لجهة صعود خطابات الانطواء والعلاقة المستجدة مع الصين.
وهنا تبدو “الماكرونية” على موعد مع التاريخ. بعد سبعة أشهر على وصوله إلى قصر الإليزيه، بدا إيمانويل ماكرون زاخرا بميوله البونابرتية والديغولية ومشروعه الأوروبي.
وستكون الأشهر القادمة حاسمة لجهة تبيان مضمون خطته حول الاستنهاض الأوروبي، وبالطبع لن يمر ذلك بسهولة ولن يلقى الاستجابة إذا لم يكن الرئيس الشاب قادرا على إصلاح فرنسا واستعادة مكانتها ودورها في الدبلوماسية المتعددة الأطراف.
في سياقات عالم اليوم مع الترامبية المنفعلة والماكرونية الناشئة، سيرسخ العام الجديد مع الانتخابات الرئاسية وكأس العالم لكرة القدم في روسيا البوتينية المختالة مع القيصر الجديد الواثق من دوره في تعدد الشراكات واستدراج الآخرين والتركيز على القوة الفظة في استعادة النفوذ من دون رادع.
ولا يخلو ذلك من مخاطر مواجهات مع واشنطن. لكن جدول القوى العالمية الكبرى يبقى ناقصا من دون النموذج الصيني الذي جرى التأكيد على صلاحيته في المؤتمر الأخير للحزب الشيوعي الصيني والرهان على الكسب في السباق الاقتصادي والاستراتيجي مع واشنطن في أفق 2030.
بالطبع لا يمكن اختصار ديناميكيات العالم بلعبة الخمسة الكبار أو الدول الصناعية الكبرى أول دول مجموعة العشرين، وسيتيح لنا العام 2018 فهم التحولات الجيوسياسية بشكل أفضل مع انتخابات حساسة وصعبة في المكسيك وكولومبيا كما في الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان.
مقابل هذه الصورة غير الوردية، هناك علامات إيجابية وعناصر تبعث على التفاؤل لأن اتفاقية مكافحة التغير المناخي صمدت بالرغم من الانسحاب الأميركي على المستوى الفيدرالي وحماس الصين الباحثة عن لعب دور بناء كان إيمانويل ماكرون من أبرز محفزيه.
وإذا كان التزايد السكاني سيتوقف في عام 2018 حسب إحصاءات عالمية، نلحظ كذلك نموا اقتصاديا في كل القارات لأول مرة منذ 2008، لكن ذلك لا يعد مبشرا ويمكن أن يمهد لبدء دورة تراجعية بحسب الأخصائيين.
في عالم اليوم تحل أربع دول أوروبية في طليعة جدول السعادة، وهي النرويج والدانمرك وسويسرا وفنلندا، أما غالبية العالم فلا ينعم بالعولمة اللاإنسانية مع تفاقم الفقر وانعدام المساواة وآفة الإرهاب ونزعات الهيمنة وإلغاء الآخر.