بالتوازي مع حركة الاتصالات التي يقوم بها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم مع الجهات المعنية بهذه الأزمة، تتراكم المؤشرات إلى أنّها على باب تصعيدٍ إضافيّ ومفتوح، وخصوصاً أنّ أطراف الخلاف متمترسة خلف مواقفِها ولا تبدو في الأفق أيّ إمكانية للتراجع.
وفي هذا السياق يأتي اعتبار فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أنّ المرسوم وُقِّع وصار نافذاً، وثمّة سُبل للمعترضين عليه للمراجعات القضائية حوله، وهو أمرٌ يَرفضه رئيس مجلس النواب نبيه بري، ويرى أنّ هناك خطأً فادحاً قد ارتكِب ولا بدّ من ان يبادر من ارتكبَه الى تصحيحه، ولا رجعةَ عن هذا الموقف.
وإذ اكتفى اللواء ابراهيم بالقول لـ«الجمهورية»: «إنّ الاتصالات مستمرّة، والابواب ليست مقفلة»، عُلِم انّ حركة الاتصالات الجارية لإطفاء أزمةِ المرسوم، قد حُدِّد لها هدفٌ خلاصتُه بلوغ حلٍّ قبل نهاية السنة الحالية، حيث كشَف معنيّون بهذه الاتصالات لـ«الجمهورية» أنّه توجد أكثر من صيغة مطروحة للحلّ، ولا بدّ مِن أن تسمح عطلة الأعياد في إجراء المزيد من الاتّصالات الهادئة، فليست هناك أيّ عقدة إلّا ولها حلّ، ولا بدّ من أن ندخل إلى العام الجديد بصيغة يتفاهم حولها الجميع بما يؤمّن مصلحة الجيش ولبنان».
وتبدو مهمّة اللواء ابراهيم محفوفةً بالصعاب، وبعلاقات رئاسية مأزومة بين بري وعون من جهة على خلفية إعداد المرسوم وتوقيعه بمعزل عن وزير المالية، وبين بري ورئيس الحكومة سعد الحريري لشراكتِه في توقيع مرسوم شديد الحساسية ويترتّب عليه ما يصفه بري خَللاً ميثاقياً لا يمكن القبول به أو تمريره، فضلاً عن الخلل الفاضح في التوازن.
وإذا كان الحريري قد تريَّث في إحالة المرسوم الى النشر، إلّا أنّ ذلك ليس كافياً في نظر برّي الذي يدعو الى معالجة المسألة من أساسها، علماً أنّ عين التينة تنظر الى موقف الحريري بأنّه «كمن فضَّلَ ألّا يدخل في مشكلة مع رئيس الجمهورية، بل فضّلَ أن يختار المشكلة معنا، فأهلاً وسهلاً».
إلّا أنّ اللافت للانتباه، أنّه في موازاة الأجواء السلبية الرافضة للمرسوم في عين التينة، تحاول الأجواء المحيطة برئيس الجمهورية الإيحاءَ بعدم وجود مشكلةٍ بينه وبين رئيس مجلس النواب، إلّا أنّ مقاربة الطرفين للمرسوم تشِي بوجود هوّةٍ بين عون وبري، فرئيس الجمهورية يَعتبر وفريقَه أنّ المرسوم صار نافذاً، إلّا أنّ أجواء رئيس المجلس مختلفة جذرياً وتفيد بـ«أنّ القانون لا ينفذ إلّا عندما يُنشَر، فكيف بالنسبة الى مرسوم، وإذا كان هناك من يقول إنّ المرسوم صار نافذاً، فيمكن القول في المقابل إنّ القانون عندما يقرّه مجلس النواب يصير نافذاً فوراً ووجبَ تنفيذه».
وسُئل بري عن تطورات هذه المسألة، فاكتفى بالقول: «لقد سبقَ وقلت إنّني أترك المعالجة لرئيس الجمهورية، وأذا سألتموني إذا ما كانت المسألة قد حُلَّت أقول لكم لا».
حكاية المرسوم
وعَلمت «الجمهورية» أنّ مقاربة قضيةِ ضبّاط الأقدمية الواردة أسماؤهم في المرسوم الخلافي، تعود الى اشهُر خلت، وإلى ما قبل وصول رئيس الجمهورية الى سدّة الرئاسة، حيث سبقَ للرئيس عون، عندما كان نائباً ان تقدّمَ قبل باقتراح قانون معجّل مكرّر حول هذه المسألة وتمّت دراسة الاقتراح في الهيئة العامة ولم يتمّ التوافق عليه، حيث لم يحظَ بموافقة الاكثرية النيابية المتمثّلة بكتل حركة «أمل» و«حزب الله» و«اللقاء الديموقراطي» وتيار «المستقبل»، وبناءً على ذلك أحاله رئيس المجلس الى اللجان المشتركة للتعمّق في درسه.
وبحسب المعلومات، فإنّ الظروف السياسية التي شهدها البلد في تلك الفترة تقدّمت على هذا الاقتراح، وظلّ الامر كذلك حتى ما قبل اشهر قليلة، ربّما ثلاثة او اربعة اشهر، حيث طرح موضوع ضبّاط الاقدمية الذين هم مضمون اقتراح عون الى مجلس النواب، من قبَل وزراء «التيار الوطني الحر»، في جلسة مجلس الوزراء، حيث دار حوله نقاش واسع اتّسَم بحدّةٍ في بعض مفاصله، إلّا انّه لم يحظ بأكثريةٍ مؤيّدة له، إذ عارضَه على وجهِ الخصوص وزراء «أمل» و»حزب الله» و»اللقاء الديموقراطي» ولم يكن وزراء تيار «المستقبل» متحمّسين له.
وفيما سُحِب هذا الملف من التداول العلني، تبيّن أنّ عمليةً جرت بعيداً من الاضواء، وبادرَت إليها بعبدا التي حضّت على إعداد مرسوم، أي المرسوم الذي تسبَّب بالأزمة، وتمّ توقيعه من قبَل الرئيسين عون والحريري، ولم يُحَل الى وزير المال. واللافت انّه بعد توقيع الرئيسين تمّ التعتيم عليه ولم يظهر الى العلن، بل إنّ قلّةً قليلة علمت به ومِن بينهم ضبّاط مشمولون به.
إلّا أنّ المسألة انفجرت قبل ايام، حينما عثر وزير المال علي حسن خليل على مرسوم يمنح أقدميات لعددٍ قليل من الضبّاط، ويحمل توقيعَي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. هنا استفسَر وزير المال من رئيس الحكومة عن المرسوم وسبب خلوِّه من توقيع وزير المال عليه.
وتبيّن للوزير خليل من خلال هذا الاستفسار انّه لا يوجد مرسوم واحد فقط، اي المرسوم الذي استفسَر عنه، بل يوجد مرسوم ثانٍ وتمّ توقيعه من قبَل عون والحريري، اي مرسوم الاقدميات الذي تسبّب بالأزمة الحالية.
ما يعني انّ المرسوم اكتشِف بالصدفة. وهنا سأل خليل الحريري لماذا وقّعتَ فابلغَه بأنّه وقّع استجابةً لطلبِ رئيس الجمهورية. وهنا اشتعلت المشكلة وما زالت حتى الآن.
والمفارقة اللافتة للانتباه في سياق هذا الموضوع انّ وزير المال ولمناسبة الاعياد وقّع قبل يومين مرسوماً بمنحِ اقدميات لعناصر في المديرية العامة للامن العام، وقوى الامن الداخلي وأمن الدولة، وهو ما زرَع علامات استفهام في عين التينة حول ذلك، إذ كيف يجوز ان يسريَ توقيع وزير المالية على هذا المرسوم ولا يجوز ان يسريَ على ذاك، موضوع توقيع وزير المال على المراسيم وخصوصاً المراسيم ذات الأكلاف المالية اياً كان حجمها هو خط أحمر بالنسبة الى بري، الذي يقول «لا أحد يجادل معي بهذا الموضوع أبداً، هناك أمر دستوري وميثاقي، وزير المالية يجب ان يوقّع، الأساس هو البلد والمناصَفة والشراكة، في كلّ الوظائف دون الفئة الأولى وتمّ التوافق في السابق على ان تخضع لامتحانات، امّا المسألة الاساسية التي اتّفقنا عليها لكي نحافظ على الجيش وعلى البلد أن يبقى مناصفةً وعدم تعريضه لأيّ أمر يخلّ بالتوازن فيه أو يؤثّر على هيكلته».
وبحسب اجواء المعترضين على مرسوم الاقدميات فإنّ الطريقة التي تمّ فيها التعاطي معه ومحاولة تمريره بلا توقيع وزير المالية، ينطويان على تحايل على الاصول، إذ إنّهم بعدما لمسوا أنّ طريق هذا الموضوع صعب في مجلس النواب حاولوا تهريبَ الاقتراح الموجود في اللجان المشتركة في المجلس وتمريره خلافاً للأصول بمرسوم. وإذا كانوا من البداية يعتبرون انّ قضية الاقدميات تعالَج بمرسوم وليس بقانون، فلماذا تمّ طرح اقتراح القانون من الاساس على المجلس؟
وزارة المال
وقالت مصادر وزارة المال لـ«الجمهورية»: «إنّ الحجّة التي استندوا إليها لتمرير المرسوم على اعتبار أنّه لا يرتّب أعباءَ مالية هي حجّة باطلة، إذ إنّ المرسوم يرتّب هذه الأعباء، والدليل على ذلك انّ عدداً من الضباط الواردة اسماؤهم في المرسوم ومِن بينهم مَن هم في المجلس العسكري تبيّن لهم وفق المرسوم انّ لهم الحقّ في ان يحصلوا على درجة، وتمّ إعداد تدبير ما وأحيلَ على وزارة المالية لإجراء المقتضى، فكيف بهذه الحالة يقولون إنّ هذا المرسوم لا يُرتّب أعباء مالية»؟
الأمن المركزي
على صعيد آخر، وفي إطار التحضيرات الأمنية لمواكبة الأعياد بخطة امنية استثنائية، انعقد مجلس الأمن المركزي ظهر أمس، برئاسة وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، وخُصّص الاجتماع لاستعراض التطورات الأمنية في البلاد وما هو مرتقَب من مخاطر في المرحلة المقبلة.
وعلمت «الجمهورية» أنّ البحث تناوَل جردةً أمنية أجراها قادة الأجهزة لِما شهدَه العام 2017 من تطوّرات على كلّ المستويات ولا سيّما المواجهة المفتوحة مع الإرهاب والشبكات الإجرامية والعملاء سواء في الداخل أو على الحدود وأمن المخيمات الفلسطينية والإجراءات المتخَذة في ضوء التنسيق القائم بين قادة الأجهزة الأمنية في ما بينها ومع المسؤولين الفلسطينيين من ممثّلي السلطة والفصائل كافّة.
بعد توجيه التهنئة الى قادة الأجهزة على الجهود المبذولة لطمأنةِ اللبنانيين وضمانِ أمنِ البلد أكّد المشنوق على ضرورة «تكثيفِ تدابير حفظِ الأمن والنظام بمناسبة فترةِ الأعياد في مختلف المناطق اللبنانية من أجل تعزيز امنِ المواطنين وتأمين سلامتِهم، وأعطى توجيهاته للدفاع المدني وفوج الإطفاء ليكونا على جهوزية تامّة.
قائد الجيش
وكان قائد الجيش العماد جوزف عون قد تفقَّد فوجَي الحدود البرّية الأوّل والثاني في عكار ورأس بعلبك، ولواء المشاة التاسع في منطقة عرسال، حيث جالَ في مراكز هذه الوحدات، واطّلعَ على إجراءاتها الميدانية لضبطِ الحدود والحفاظ على أمن البلدات والقرى الحدودية. وأكّد أنّ الاستقرار الأمني في البلاد بات اليوم أفضل مِن أيّ وقتٍ مضى، بفعِل دحرِ التنظيمات الإرهابية عن الحدود الشرقية، والإنجازات اليومية التي يحقّقها الجيش في مجال تفكيكِ الخلايا الإرهابية وإلقاءِ القبض على المتورّطين سابقاً في أعمال إرهابية استَهدفت الجيش والمواطنين، وأضاف أنّه لا مجال للإخلال بالأمن بعد اليوم، فالجيش لديه كامل الجهوزية والقدرة على مواجهة أيّ تهديدات خارجية أو داخلية.
إبراهيم
وكان قد أقيمَ في مقرّ قيادة القطاع الغربي لقوات الأمم المتحدة العاملة في لبنان UNIFIL في بلدة شمع، احتفالٌ تكريمي للّواء ابراهيم قلّدَه خلاله رئيسُ أركان الجيش الإيطالي الجنرال كلاوديو غراتزيانو الميدالية الإيطالية تقديراً لخدماته وإنجازاته.
وألقى ابراهيم كلمةً أكّد فيها « أنّ وجودَكُم بيننا لهوَ مصدرُ طمأنينةٍ لأهلِنا في الجنوب، وأعلِن أمامكم التزامَنا الدّائم والمستمر بتنفيذِ القرارِ 1701 بكلّ مُندرجاتهِ، آخِذينَ بعينِ الاعتبار عند تنفيذِ مهمّاتنا احترامَ حقوقِ الجنوبيين بالحرّية، كما واحترام ممتلكاتِهم الخاصة وقدسيّتها، ولم ولن ننزلقَ تحتَ أيِّ ضغطٍ إلى الخروجِ على القرارِ الأمميّ بأيّ اتّجاهٍ كان. إذ ليسَ مسموحاً الاجتهادُ بتنفيذِ قرارٍ كانت دونهُ دماءُ اللبنانيين وممتلكاتهم كما ودماءُ عددٍ من الجنودِ الدوليّين.
باسيل والتمديد للمنتشرين
وفي ملف لا يقل خطورة عن الملفات المطروحة، أكد وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل خلال الاحتفال السّنوي لأعضاء السلكَين الديبلوماسي والإداري بمناسبة عيد الميلاد المجيد، أنّ «ما يهمّ وزارة الخارجية هو إعادة النازحين السوريين وتثبيت اللبنانيّين في وطنهم، إذ لا يجب أن يتسبب إستقبال لبنان لمئات الآلاف من النازحين بهجرة أبنائه الى الخارج».
وأعلن باسيل في سياق آخر أنه «تقدم بمشروع قانون لتمديد مهلة التسجيل للمنتشرين اللبنانيين الراغبين في المشاركة في الإنتخابات حتى الخامس عشر من شباط 2018 نظراً لرغبة عشرات الألوف منهم بتسجيل أسمائهم في اللوائح الإنتخابية».
ودعا في هذا الإطار السياسيين الى «دعم هذا التمديد والسير به تشجيعاً للمنتشرين على المشاركة في الحياة السياسية في وطنهم»، مؤكّداً «أن وزارتي الخارجية والداخلية قادرتان على تسجيل مزيدٍ من اللبنانيّين الراغبين الإقتراع في الخارج».
وتحدث باسيل عن التشكيلات الديبلوماسية الكبيرة التي اُنجِزت هذا العام بعد التوافق السياسي بشأنها، مؤكّداً أنها «راعت التوزيع الطائفي وحقوق الجميع وقد تمّت وفق مبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب»، موضحاً «أن مسألة عدم المسّ ببعض الديبلوماسيين الذين تجاوزوا الفترة القانونيّة لخدمتهم في الخارج والتي كانت سائدة في السابق، قد تمت تسويتها إستناداً الى القانون الذي يجب أن يسري على الجميع بلا إستثناء».