يتولد شعور عام لدى الأردن بأنه وحيد ودون حلفاء في مواجهة التحديات الداخلية والإقليمية، وهو ما عبر عنه صراحة المسؤول السابق والمقرب من دوائر صنع القرار مروان المعشر مؤخرا في أحد المؤتمرات.
وتقول أوساط دبلوماسية إن الأردن يواجه ضغوطا كبيرة سواء على الصعيد الداخلي نتيجة الوضع الاقتصادي وشح الدعم العربي والدولي، أو على الصعيد الخارجي وخاصة من حليفته الولايات المتحدة على خلفية تصدره الجبهة المناهضة للقرار الأميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وقد تُوقف الولايات المتحدة المساعدات المالية عنه كليا على خلفية تصويته المتوقع لصالح قرار يدين الخطوة الأميركية بشأن القدس في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث سبق وأن لوح الرئيس دونالد ترامب بوقف الدعم المالي عن الدول التي تصوت لفائدة مشروع القرار.
وتلفت الأوساط الدبلوماسية الأردنية إلى أن الوضع الذي يجد فيه الأردن نفسه اليوم، قد يدفعه إلى إجراء مراجعة لسياساته، وقد يغري بعض القوى الدولية على غرار روسيا لاستمالته، خاصة وأنها في حاجة أكيدة لدعمه في الملف السوري.
ويعتبر الأردن بالنظر للحدود الممتدة مع سوريا أحد المؤثرين في الصراع الدائر هناك، واحتضن مع عسكرة الثورة، ما يسمى بغرفة “موك” التي تقدم دعما لوجستيا لفصائل المعارضة المعتدلة في الجنوب السوري وريف دمشق، قبل أن يتم خفض هذا الدعم في السنتين الأخيرتين، كما أنه تولى تدريب عدد من المجموعات المشكلة أساسا من أبناء عشائر الجنوب، تحت ذريعة مقارعة داعش.
وبعد سبع سنوات من الصراع يجد الأردن نفسه أحد أبرز المتضررين، باحتضانه للآلاف من النازحين، واضطراره لحماية حدوده منفردا وما يكلفه ذلك من موارد بشرية ومالية، فضلا عن انهيار تجارته حيث أن جزءا كبيرا من وارداته يمر عبر سوريا، دون أن تتحرك الدول العربية والغربية لانتشاله من هذا المأزق رغم الوعود الكثيرة التي تلقاها، وهذا ما قد يعزز رغبته في تقبل الإغراءات الروسية.
وناقش وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف مع نظيره الأردني أيمن الصفدي في اتصال هاتفي الخميس، الوضع في سوريا، فضلا عن آخر التطورات المحيطة بالقدس.
ووفق بيان للخارجية الروسية فقد “بحث الوزيران جملة من القضايا الإقليمية الملحة، وركزا على سبل التسوية الفلسطينية الإسرائيلية على خلفية قرار واشنطن نقل سفارتها لدى إسرائيل إلى القدس”.
وأبدت روسيا معارضة للخطوة الأميركية بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهذا يتماهى وموقف الأردن، وهو ما قد يزيد في خطوات التقارب الروسية الأردنية التي لطالما كانت العلاقة بينهما دافئة نسبيا رغم أن عمان محسوبة على الحلف الأميركي.
وحسب بيان الخارجية الروسية فقد ركز لافروف والصفدي في محادثتهما أيضا “على مسار التسوية السورية في ضوء الجهود المبذولة لدعم استمرار وقف إطلاق النار وزيادة حجم المساعدات الإنسانية المقدمة للمنكوبين، وإحياء المفاوضات السورية بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2254”.
وأشار الجانبان “إلى دور عمّان في جهود التسوية السورية، ولا سيما في ضوء منح الأردن صفة مراقب في اجتماعات أستانة، ودعمه لمبادرة رعاة التسوية الرامية إلى عقد مؤتمر حوار سوري في سوتشي بما يخلق الظروف الملائمة لمفاوضات بناءة في جنيف”.
وكانت انطلقت الخميس الجولة الثامنة من مفاوضات أستانة، برعاية كل من روسيا وإيران وتركيا، وبمشاركة الأردن بصفة مراقب، لبحث جملة من الملفات وفي مقدمتها ملف المفقودين والمعتقلين، وأيضا المساعدات الإنسانية، وسير عمل مناطق خفض التصعيد، الهش بسبب الخروقات الكثيرة خاصة من جانب النظام السوري.
وتأمل روسيا في أن تحقق الجولة الجديدة من أستانة نقلة نوعية تمهد عمليا لعملية السلام التي ترغب في أن تحتضنها مدينة سوتشي لما لذلك من رمزية كبيرة بالنسبة لها، وهي تعمل على إقناع المجتمع الدولي بها، وتشكل استمالة دول الطوق السوري بوابة رئيسية للتوصل إلى هدفها المنشود، خاصة وأن تركيا كما الأردن لا يبديان ممانعة لعقد مؤتمر في سوتشي.
وقال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين إنه لم يتحدد موعد بعد لانعقاد مؤتمر السلام، مشددا على أن ما من أحد يريد التعجيل بعقد المؤتمر “بشكل صوري”.
ولا يستبعد المراقبون أن توسع روسيا قاعدة رعاة أستانة بضم اسم الأردن، وسط ترجيحات بألا يلقى ذلك ممانعة سواء من تركيا التي تشهد العلاقة بينها وبين عمان تطورا لافتا ترجم في زيارة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى أنقرة الشهر الجاري، أو من إيران التي أطلقت مؤخرا تصريحات لافتة داعمة للأردن، وذلك عقب اجتماع مثير جمع سفيرها في الأردن فرحتي فردوس ورئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة، الذي سيزور طهران الشهر المقبل.
ويقول المراقبون إن خطوة ضم الأردن بالتأكيد ستلقى دعما أيضا من النظام السوري الذي أظهر إرادة سياسية في فتح صفحة جديدة مع عمان بعد توتر لسنوات نتيجة اتهامه لها بالمشاركة في مشروع إسقاطه.
وقال القائم بأعمال السفارة السورية في عمان أيمن علوش الذي اجتمع الأربعاء برئيس مجلس النواب عاطف الطراونة بطلب منه، إن ذلك اللقاء يشكل بداية جيدة لعودة العلاقات بين الأردن وسوريا.
وأكد علوش الخميس أن دمشق حريصة على عودة العلاقات مع الأردن إلى طبيعتها لأنها “بما يعزز أمننا القومي ضد عدونا المشترك، وبما يحول دون الاتجار والتطاول على دور الأردن”.
ويغمز القائم بأعمال السفارة السورية إلى ما تروجه بعض الجهات من أن المملكة العربية السعودية تسعى للاستئثار بملف القدس والقضية الفلسطينية عموما، على حساب دور الأردن.
ومعلوم أن دمشق لا تنفك تهاجم الرياض التي تعتبرها حجر زاوية في مشروع إسقاطها، وهي اليوم تلعب على وتر الفتور المسجل في العلاقات الأردنية السعودية. وأعرب علوش عن تقديره لتهنئة الطراونة بتحرير سوريا من “رجس الإرهاب”، مشيرا إلى أن الأردن الآن كما سوريا مستهدف من دول عربية، لم يسمها.
وكان علوش أكد خلال لقائه مع الطراونة، دعم بلاده للوصاية الأردنية على القدس في أعقاب القرار الأميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وفي أعقاب ما روج عن اعتراض الوفد البرلماني السعودي في اجتماع الاتحاد البرلماني العربي بالمغرب قبل أيام على الوصاية الأردنية.
ويرى مراقبون أن هناك عملا سوريا روسيا ممنهجا لاستمالة الأردن، والسؤال الذي يطرح نفسه هل أن عمان تملك عمليا زمام رسم سياسات متمايزة عن حلفائها التقليديين؟ أم أن استجابتها لن تكون سوى ردة فعل لحظية؟