تتوالى المفاجآت في الأيام الأخيرة من العام الحالي:
1- 18 وزيراً و76 نائباً غادروا لبنان إلى أوروبا وغيرها لتمضية عطلة الأعياد هناك.. وكأن البلاد بألف خير.. فبدل ان يأتي الراغبون إلى لبنان ذهب ممثلو الأمة والوزراء إلى الخارج.
2- مفاجأة أرقام اللاجئين الفلسطينيين، حيث أعلن الرئيس سعد الحريري «العدد الواضح» وهو 174.422 لاجئ فلسطيني بعد تعداد، هو الأوّل من نوعه منذ سبعين عاماً، والذي أنجزته لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني وجهاز الاحصاء اللبناني وجهاز الاحصاء الفلسطيني، وهذا التعداد وضع حداً لارقام كانت تُشير إلى 500 ألف و600 ألف أو 400 ألف.
3- صعوبات تتعلق بتطبيق قانون الانتخاب، لجهة التسجيل المسبق بعد سقوط البطاقة الممغنطة، وبروز مؤشرات لا توحي بالثقة الانتخابية بين مكونات الحكومة الحالية.
4- مراوحة قضية ترقية ضباط «دورة عون» 1994، على الرغم من استمرار مساعي مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، والذي زار قصر بعبدا أمس، والتقى الرئيس ميشال عون الذي ترك له الرئيس نبيه برّي أمر معالجة هذا المرسوم.
مع الإشارة إلى ان النائب وليد جنبلاط الذي بحث مع الرئيس الحريري هذا الموضوع، ونقل عن النائب جنبلاط: أنا متضامن حتى النهاية مع الرئيس نبيه برّي في موقفه المعترض على المرسوم.
مرسوم الضابط
في هذا الوقت، بدا من الصعب التكهن بما يمكن ان يأخذه مسار معالجة أزمة مرسوم ضباط دورة العام 1994، في ضوء غياب بوادر الحل أقله في العلن، على الرغم من الوساطة التي يقوم بها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي زار أمس قصربعبدا للمرة الثانية، في غضون يومين، من ان تظهر أية بوادر حلحلة، علماً ان ملفات داهمة يفترض ان تشق طريقها سريعاً وهي تنتظر طي صفحة الخلاف الرئاسي لا سيما على صعيد إقرار موازنة العام 2018، والانتخابات النيابية.
ولاحظت مصادر سياسية مطلعة ان هناك بما يمكن وصفه «بالكربجة» في المسار السياسي، إذ ان الأمور ليست على ما يرام بين فريقي «المستقبل» و«القوات اللبنانية» من جهة وبين «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل» من جهة ثانية.
وتلفت إلى وجود عتب من بعض النواب على خطوة توقيع المرسوم من دون التشاور حوله مع الرئيس نبيه برّي الذي ترى اوساطه ان الرئيس ميشال عون ذهب بعيداً في أخذ قرار التوقيع على المرسوم، ظناً منه ان الدور الذي لعبه في معالجة أزمة استقالة الرئيس الحريري ومواقفه من موضوع القدس سيسهلان عليه تمرير المرسوم، غير انه اصطدم بموقف الرئيس برّي الذي تعامل مع الموضوع على أساس ميثاقي وسياسي وغير طائفي، إذ ان ما جرى هو نظرة سابقة خطيرة، خصوصاً وأن خطورته تكمن في احتمال ان يهز كيان الحكومة.
وبحسب مصادر وزارية سابقة، فإن الدرب الذي سيلعبه الاطفائي في هذه الأزمة لن تكون مزروعة بالورود، والرياحين، بل ستكون وعرة، وسيواجه مطبات هوائية، وعواصف قبل الوصول إلى المخرج الملائم.
وأشارت هذه المصادر إلى ان الازمة كبيرة ومفتوحة، ومن الممكن ان تأخذ منحى قد يصل إلى حدّ انسحاب فريق من الحكومة، في حال أصر فريق رئيس الجمهورية على عدم التراجع في موضوع توقيع وزير المالية علي حسن خليل، من ضمن الصلاحيات المنوطة به بحكم الدستور، وهو أحد اوجه الأزمة، في حين يستمر السكوت حول الوجه الآخر والذي يتصل بمستقبل المؤسسة العسكرية، حيث ستكون غالبية القطاعات العسكرية عونية بامتياز.
وعلى الرغم من نفي وزير «حزب الله» في الحكومة محمّد فنيش وجود أزمة سياسية بين رئيسي الجمهورية والمجلس وإنما التباس يحتاج إلى معالجة، كما نفى وجود وساطة بين الرجلين لأن الاثنين حليفان ونحن حريصون عليهما، كان لافتاً للانتباه عبارة وردت في بيان كتلة الوفاء للمقاومة، والتي أكدت على ان «التزام وثيقة الوفاق الوطني والدستوروالصلاحيات من شأنها ان يسهم في تحقيق الوفاق الوطني ويؤدي إلى تلافي الكثير من الأزمات والاعتراضات»، في إشارة واضحة إلى ان الحزب يحترم الأصول والنصوص الدستورية، وبالتالي لا داعي لإثارة مشكلة حول قضية المرسوم، حيث لا يجوز تجاوز الصلاحيات، وبهذا المعنى يرى الحزب ما يراه الرئيس برّي لجهة ضرورة اقتران المرسوم بتوقيع وزير المال، قبل ان يصبح سابقة.
الحريري في ريستال الميلاد
وسط هذه الأجواء، كانت لافتة للانتباه مشاركة الرئيس الحريري في الحفل الميلادي الذي أقيم في قصر بعبدا إلى جانب الرئيس عون وأفراد عائلته ووزراء ونواب يتقدمهم نائب رئيس المجلس فريد مكاري وسفراء الدول العربية والأجنبية وأركان الجسم القضائي وقادة الأجهزة العسكرية والأمنية ومديرين عامين ومحافظين ورؤساء نقابات، واحيت الحفل الأوركسترا الفلهرمونية اللبنانية بقيادة المايسترو هاروت فازليان ومشاركة السوبرانو ماري جوزي مطر.
وطمأن الرئيس عون الحاضرين، بعد ان تمنى لهم وللبنانيين اعياداً سعيدة، ان العام المقبل سيكون أفضل من السنة الحالية، لافتاً إلى «اننا نقوم حالياً بتركيز أسس الدولة من خلال المؤسسات، وان كان كل سنة ستكون أفضل من سابقاتها.
وكان الرئيس الحريري قد حرص، خلال استقباله أمس الأوّل في «بيت الوسط» وفداً من ملتقى الجمعيات البيروتية وروابط وهيئات وفعاليات على شرح خلفية التسوية التي اقدم عليها في المرحلة السابقة، والتي انتجت عهد الرئيس عون، لافتاً إلى ان البلد كان ينهار امام اعين الجميع والمؤسسات تهترئ واتفاق الطائف الذي عمل رفيق الحريري لانجازه مهدد بالسقوط، لكن بعد كل ما قمت به من تسويات، بات هذا الطرح بعيد المنال، وعاد عمل المؤسسات للانتظام رغم وجود العديد من التحديات والمشاكل التي تتطلب المعالجة.
وقال: «نحن على خلاف كبير جدا في الأمور الإقليمية مع بعض الأفرقاء في البلد مثل «حزب الله»، ولكن هذا لا يعني أننا غير قادرين على إقامة حوار من أجل مصلحة البلد، من أجل تأمين الكهرباء أو المياه أو الاتصالات أو المستشفيات أو البيئة أو إزالة النفايات. كل هذه الأمور نحن قادرون على حلها». مشدداً على أن الطريقة الوحيدة التي يمكن للبلد أن يسير فيها قدما هي أن تكون كل المكونات موجودة داخل حكومة، ونحاول أن نجد التفاهم فيما بيننا لكي ننهض بالبلد، والدليل على ذلك ما تحقق خلال هذا العام من إنجازات».
واكد ان «النأي بالنفس يجب أن يكون قولا وفعلا لأن لبنان لم يعد يتحمل، وهو لديه مشكلة مع أصدقائه وأشقائه إن كان في المملكة العربية السعودية أو الخليج. نحن نريد أفضل العلاقات مع المملكة لأنها لم تقصر يوما مع لبنان. لذلك سنواصل هذه المسيرة وأنا أؤكد لكم أن العلاقات ستكون مع المملكة بأفضل حالاتها».
وفي خلال حوار اجراه بعد الظهر مع المشاركين في مؤتمر القمة العالمية للأعمال في فندق فورسيزن، اكد الحريري ان «هذا الوقت هو الأفضل للاستثمار في لبنان، لأنه بفضل هذا الاستقرار السياسي والأمن المستتب في بلدنا، تمكنّا من إرساء مفهوم أننا بلد مستقر سياسيا وقادر على مواجهة الأزمات موحدا وبطريقة حكيمة، مشيرا إلى أن موازنة العام 2018 تشكل تحديا بالنسبة إلينا، لافتا إلى أن هدفنا هو التأكد من أن العجز المالي لن يزيد من العام 2017 حتى العام 2018، وأن نكون قادرين على مواجهة كل التحديات المالية في العام المقبل.
وشدد الحريري على أنه لن تكون لدى لبنان أي مشاكل مع الخليج، وأنه ستكون هناك الكثير من الخطوات التي سيتخذها الخليج تجاه لبنان وسيتخذها لبنان تجاه الخليج، نافياً كل الاعتقاد السائد بأن الخليج سيتخذ خطوات بحق لبنان، مشيراً إلى ان لدينا أفضل العلاقات مع المملكة ومع الإمارات ومعظم دول الخليج، واننا حرصنا على ان يكون الجميع راضياً عن سياسة النأي بالنفس.
وكشف الحريري ان الأزمة التي شهدناها في شهر تشرين الثاني الماضي كانت إقليمية، الا ان الإجماع الذي لدينا في البلد واجه هذه الأزمة بطريقة حكيمة وهادئة للغاية من أجل الحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، وأظهر هذا الإجماع ان استعادة الثقة حصلت بالفعل.
وفي إشارة أخرى إلى التسوية السياسية، لفت إلى انه من الممكن ان تكون هناك علامات استفهام حول هذا هذا التفاهم في بداية العام 2017، لكن في نهاية هذا العام المتفق اننا اثبتنا انفسنا، وان البلد اليوم هو أكثر استقرارا بعشر مرات عن السابق، مؤكدا ان هدفه اليوم هو الاقتصاد والاصلاحات، ومشددا على الحاجة لبرنامج الانفاق الاستثماري لتحريك النمو وإيجاد فرص العمل والنهوض بالاقتصادي، وان القطاع الخاص جزء أساسي من برنامج الانفاق الاستثماري. وقال: «لا يمكننا ان نستمر باستدانة المال لننفقه على أمور غير مجدية، وإذا أردنا ان ننفق فيجب ان يكون الانفاق على الاستثمار والبنى التحتية، متوقعاً ان يتم إنجاز موازنة العام 2019 بين كانون الثاني وشباط من العام المقبل.