تنكفئ السياسة نسبياً في عطلة عيدَي الميلاد ورأس السنة، لتستعدّ البلاد مجدّداً لمواجهة ملفات عدة يتصدّرها ملف الانتخابات النيابية المقرّرة في 6 أيار المقبل الذي سيفتح على مصراعيه مطلع السنة الجديدة. وقد شهد القصر الجمهوري احتفالاً ميلادياً حضَره رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري. وعلمت «الجمهورية» أنّ عيد الميلاد في بكركي سيُشكّل مناسبة للقاء البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مع عدد مِن المسؤولين السياسيين وفي مقدّمهم رئيس الجمهورية الذي يحضر قدّاسَ الميلاد الإثنين المقبل، ثمّ يعقد خلوةً مع الراعي تتناول الأوضاع السياسية وقضايا إقليمية عدة وأبرزُها قضية القدس.

ظلّت أزمة مرسوم إعطاء سَنة أقدمية لضبّاط دورة 1994 (دورة عون) تُراوح مكانها، على رغم تأكيدات قصر بعبدا أنّها «سَلكت طريقها إلى الحل» ونفيِ عين التينة عِلمَها بماهية هذا الحلّ.


وفيما رشحَ أنّ أجواء رئيس الجمهورية تؤكد أنه ليس في وارِد التراجع عن المرسوم، علمت «الجمهورية» انّ الاتصالات التي يجريها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم تركّز على إيجاد مخرج للأزمة، وأنه تمنّى على المعنيين تهدئة الخطاب السياسي حتى يتمكّن من متابعة مسعاه. وتوقّعت مصادر معنية حصولَ حلحلة قريبة في الشكل بانتظار إيجاد حلّ لموضوع التوقيع الشيعي على المرسوم مراعاةً للميثاقية.


وأكّدت مصادر مواكِبة لهذه الأزمة لـ»الجمهورية» أنّ «محاولات زرعِ الشرخ بين العسكريين لن تنجح، من خلال التسريبات في الإعلام عن تحرّكات لضبّاط دورتي الـ95 والـ96، بينها أنّ هناك من تقدّمَ بدعاوى أمام مجلس شورى الدولة، حيث إنّ الضابط في الخدمة الفعلية المتضرّر من قرارٍ ما لا يحقّ له اللجوء الى مجلس الشورى، إذ إنّ هناك آلية حسب نظام الجيش تفرض عليه طلبَ موعدٍ من قائد الجيش ليطرح أمامه المظلومية التي تعرّضَ لها، إلّا أنّه حتى الآن لم يُسجَّل أيُ اعتراض أو طلب مقابلة من أحد هؤلاء الضبّاط، المفترض أنّهم متضرّرون».

وأضافت: «أمّا الحديث عن خلافات داخل المجلس العسكري وعن اجتماع مزعوم حصَل الثلثاء الماضي فهو غير صحيح، وأجواء المداولات في المجلس يَسودها التفاهم لأنّ مصلحة الجيش عند أعضائه فوق كلّ المصالح».


وأوضَحت المصادر نفسُها أنّ «المرسوم الصادر لا يرتّب أيّ أعباء مالية على الدولة، لأنّ قضية الأقدميات هي داخلية في الجيش، وما يُرتّب الأعباءَ هو الترقيات، وفي الأساس كان هناك 5 ضبّاط من دورة الـ 94 سيرقَّون الى رتبة عميد في 1-7-2018، و4 ضبّاط في 1-1-2019 ومنهم مَن هم اليوم قادة أفواج خاصة في الجيش، وبالتالي فإنّ مرسوم الأقدميات في حال طُبِّق سيتيح للضبّاط الـ5 تعليقَ رتبة عميد في 1-1-2018 بدلاً من 1-7-2018 وبالتالي يمكن وزير المال عدم توقيع المرسوم إنْ رفضَ ترقيتهم، لأنّ القانون اللبناني يفرض الحصول على توقيعه لتنفيذ مرسوم الترقيات كونه يرتّب أموالاً على الدولة».

مجلس الأمن


وفي هذه الأجواء، تفاعلت دعوة مجلس الأمن الدولي المتجدّدة «إلى تطبيق سياسة نأيٍ بالنفس ملموسةٍ عن أيّ نزاعات خارجية» وتنفيذ القرارين ١٥٥٩و١٧٠١ والقاضيَين بنزع سلاح «حزب الله» وكلّ الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، وتأكيدِه «أهمّية تنفيذ الالتزامات السابقة التي تقتضي أن لا تكون هناك أسلحة غير أسلحة الدولة اللبنانية»، ودعوتِه «جميعَ الأطراف اللبنانية إلى استئناف المناقشات للتوصّلِ إلى توافق في الآراء بشأن استراتيجية الدفاع الوطني».

«القوات»


ورأت مصادر «القوات اللبنانية» لـ»الجمهورية» أنّ أهمّية بيان مجلس الأمن تكمن في 3 جوانب أساسية:


ـ الأوّل يتعلق بكون البيان هو الرابع بعد بيان الحكومة الاستثنائي الذي أكّد ضرورة الالتزام الفعلي بالنأي بالنفس، وبيان وزراء الخارجية العرب، وبيان مجموعة الدعم الدولية، ما يؤشّر إلى استمرار مفاعيل استقالة الحريري التي فعَلت فِعلها وأعادت وضعَ لبنان على سلّمِ الأولويات الدولية، وأكّدت أنّ ما قبلها ليس كما بعدها، وبالتالي كلّ تلك البيانات وآخرُها بيان مجلس الأمن ليست تفصيلاً وجاءَت نتيجة الاستقالة، الأمر الذي يؤكّد ما ذهبَت إليه «القوات» منذ اللحظة الأولى للاستقالة، فيما كان البعض وما زال يحاول التخفيفَ مِن وقعِها وأهمّيتها وحرفِ الأنظارِ عن مضمونها.


ـ الثاني، يتّصل بمضمون البيان لجهة ضرورة التقيّد بالنأي بالنفس مع فارق جوهريّ أنّه تحدّثَ عن النأي بالنفس في الاتجاهين، أي في اتّجاه ان تنأى القوى السياسية اللبنانية بنفسها عن محاور النزاع الخارجية، وفي اتّجاه أن لا تتدخّلَ القوى الإقليمية في الشؤون اللبنانية الداخلية، وهذا تطوّر مهِم وكبير، وكان قد تحدّثَ عنه أخيراً البطريرك الراعي، لأنّ الأزمة اللبنانية الفعلية مرتبطة بالتدخّلات الخارجية، وبالتالي يجب متابعة هذه النقطة وصولاً إلى صدور قرار دولي جديد يحظر التدخّلَ في الشأن الداخلي اللبناني.


ـ الثالث يتعلّق بإحياء القرار 1559 الذي يتحدّث صراحةً عن نزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، والمقصود تحديداً سلاح «حزب الله»، وحيث أشار البيان في وضوح لا لبسَ فيه إلى أنّ الجيش اللبناني «هو الجهة المسلّحة الشرعية الوحيدة في لبنان، على النحو المنصوص عليه في الدستور اللبناني وفي اتّفاق الطائف».


ورأت المصادر «أنّ أهمّية هذا البيان تكمن في أنّه أعاد تأكيد ثابتَتين تاريخيتَين أساسيتين تعودان إلى مطلع الجمهورية الأولى والاستقلال، ومِن دونهما لا قيامة لدولة فعلية واستقرارٍ ثابت، وهما: السيادة الناجزة والكاملة تحت سلطة الدولة اللبنانية والجيش اللبناني، والنأي بالنفس عن محاور النزاع في استعادةٍ للمقولة التاريخية: «لا شرق ولا غرب»، والأولوية تبقى حصراً للبنان والدولة».

المعارضة


وقالت مصادر سياسية معارِضة لـ«الجمهورية»: «يتعرّض الرأي العام اللبناني عشيّة الانتخابات النيابية لأكبرِ عملية غشٍّ سياسي موصوف يمارسه تحالفُ أركانِ صفقةِ التسوية الرئاسية والحكومية تحت شعار «الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي».

وأضافت: «يدَّعي تحالف أهلِ السلطة أنّ صفقة التنازلِ عن السيادة لمصلحة «حزب الله» تأتي بمباركة دوليّة وبهدف منعِ أيّ انفجار أمني على الساحة اللبنانية في وقتٍ تُظهِر كلّ المواقف الدولية، من البيان الصادر عن اجتماع «المجموعة الدولية لدعم لبنان» وصولاً إلى البيان الأخير الصادر عن مجلس الأمن الدولي، أنّ الأولوية بالنسبة إلى المجتمع الدولي هي تنفيذ القرارَين ١٥٥٩ و ١٧٠١ اللذين ينصّان على نزعِ سلاح «حزب الله» وحصرِ استيراد السلاح واقتنائه واستخدامِه بالجيش اللبناني دون غيرِه، وهو ما يتناقض جذرياً مع ما يحاول أركان السلطة تسويقَه مِن أنّ المطلوب دولياً عدمُ مقاربة ملفّ السلاح غير الشرعي للحزب والاكتفاء بالصفقات والتلزيمات، كالكهرباء والنفط وغيرهما، تحت شعار معلَن هو تعزيز الوضعِ الاقتصادي وتحسين مستوى معيشةِ اللبنانيين، وغير معلَن يتمثل بسَمسرات وعمولات يتمّ تقاسُمها لتمويل الانتخابات والحياة الحزبية لأركان السلطة».

وأكّدت هذه المصادر «أن لا مكانَ لـ«الوسطية» في الانتخابات المقبلة، فإمّا معارضة واضحة للسلاح غير الشرعي والفساد، وإمّا تحالف مع السلاح غير الشرعي والفساد ولو تحت شعارات «ربط النزاع» و»النأي بالنفس» و»الواقعية السياسية» وغيرها من العناوين المستخدَمة لتبرير عدم مقاربة جدّية للملف السيادي من زاوية التصدّي لمصادرة «حزب الله» قرارات الدولة اللبنانية».

وأوضحت «أنّ الانتخابات النيابية المقبلة هي معركة فاصلة بين الشرعية واللاشرعية، نتيجتُها ستحدّد ما إذا كان «حزب الله» سيكرّس دستورياً سيطرتَه على مفاصِل الدولة، أو إذا كانت المعارضة ستنجَح في إنقاذ الجمهورية والديموقراطية والتعدّدية السياسية والحرّيات العامة وفي إعادة لبنان إلى موقعِه الطبيعي تحت سقف الشرعيتين العربية والدولية».


وتابعَت المصادر: «لا يمكن المعارضة اللبنانية أن تدخلَ في مساومات حول ملفَّي السيادة والفساد، وبالتالي لا يمكنها أن تخوضَ الانتخابات جنباً إلى جنب لا مع من يغطّي سلاح «حزب الله» والفساد ولا مع من لا يَعتبر هذين الملفَّين من الأولويات الحيوية للّبنانيين.

وعليه، فإنّ الفرز سيبدأ بالظهور تباعاً ابتداءً من مطلعِ السنة المقبلة بين فريقَين: فريق المعارضة المباشَرة والصريحة وهو يضمّ مرشّحين حزبيين ومستقلّين ومن «المجتمع المدني» من جهة، وبين تحالف أهلِ السلطة الذي يضمّ المشاركين في الحكومة بمَن فيهم مَن يدّعون المعارضة من الداخل والمتواطئون معهم أمّا بالتبرير أو بالصمت أو باللعب على الحبال السياسية بين السلطة والمعارضة من جهة ثانية».

«الكتائب»


وقال مصدر كتائبي مسؤول لـ«الجمهورية»: «إنّ نتائج العمل الديموقراطي المعارض الذي يتولّاه الحزب منذ أشهر بدأت تظهَر واضحةً على الساحتين الداخلية والخارجية، خصوصاً لجهة إسماعِ المعارضة اللبنانية رأيَها في الحلول الواجب اعتمادُها في مقاربةِ المعالجات المطلوبة للملفّ السيادي ومِن بينها تطبيقُ القرارين ١٥٥٩و١٧٠١وحصرية السلاح، وهو ما تضمّنَه البيان الختامي لمجموعة الدعم الدولية وبيان مجلس الأمن الأخير، وما سمعَه رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل من كبار المسؤولين العرب والأوروبّيين أخيراً».

وأكّد المصدر «حِرص حزب الكتائب، وفي موازاة الملفّ السيادي، على المضيّ قدماً في خوضِ معركة التصدّي للصفقات ومواجهة المخالفات والارتكابات الحكومية في استئجار بواخِر الكهرباء وتلزيم الغاز ومكبَّي النفايات في برج حمود و»الكوستا برافا» على حساب صحة المواطن والبيئة والشفافية وحقوق الخزينة والمال العام».

وقال: «على رغم أنّ هذه المعركة حقّقت بدورها كثيراً من النتائج فإنّها لا تزال في حاجة الى جهدٍ نيابي وسياسي وإعلامي وشعبي كبير لبناءِ تحالفٍ عريض بين القوى الحزبية والسياسية والمجتمع المدني، وسيكون التحضير للانتخابات النيابية مناسبةً لبلوَرةِ هذا التحالف العريض وتظهيرِه على شكل لوائح معارضة سيادية - تجديدية - إصلاحية تواجه تحالفَ أركانِ السلطة لإسقاط مشاريع مصادرة حقوقِ اللبنانيين في دولةٍ كاملة السيادة وفي مؤسساتٍ كاملة الشفافية وفي دستورٍ وقانون كاملَي الاحترام».

وفي المعلومات أنّ المكتب السياسي الكتائبي بَحث في اجتماعه أمس في سُبلِ مواكبةِ النشاط السياسي لرئيس الحزب من خلال خريطة الطريق الانتخابية التي شارفَت دوائرُ القرار في الحزب على وضعِ اللمسات الأخيرة عليها، بحيث يبدأ العمل لتنفيذِها بعد عطلة الأعياد