لا تزال تداعيات توقيع رئيسي الجمهورية والحكومة ميشال عون وسعد الحريري على مرسوم الأقدميات لضباط " دورة عون " دون توقيع وزير المال علي حسن خليل عليه ، طاغية على المشهد السياسي اللبناني.
وعلى الرغم من الأجواء الإيجابية التي حاولت مصادر بعبدا الإيحاء بها بالأمس عن إتجاه لحلحلة الأمور ونفي الرئيس نبيه بري علمه بوجود هكذا حلول، تستمر الأزمة على خط بعبدا وعين التينة وتختلط الأمور بين ما هو ميثاقي وما هو سياسي.
فالأزمة المندلعة حاليا بين عون وبري ما هي إلا سلسلة طويلة من محطات الإشتباك بين الطرفين منذ ال 2005 حتى الآن .
لكن بعد وصول الرئيس عون إلى قصر بعبدا ، بدأت الأمور تأخذ بعدا إقصائيا واضحا من قبل بعبدا ضد عين التينة وهي لا توفر أي فرصة إلا وتحاول تسجيل الأهداف في مرمى الأخيرة.
أما قبل إنتخاب عون ، فالأمور كانت محددة بسقف قواعد اللعبة السياسية التقليدية والتنافس على الحصص والوزارات.
ويدرك بري خطورة ما جرى وأن الأمر يتجاوز قصة مرسوم بل يذهب البعض إلى القول أن بري على دراية كافية بأن المرسوم وطريقة التوقيع عليه دستورية وليست مخالفة للقوانين وهي تتبع أعراف معينة شبيهة بهذه الحالة ومرت من دون توقيع وزارة المال عليها ولم يعترض بري عليها حينها في حكومة الرئيس تمام سلام.
لكن ما إستفز بري وجعله ينتفض على الأسلوب المتبع أن الحديث عن مرسوم أقدميات ضباط " دورة عون " كان مدار نقاش بين بعبدا وعين التينة في فترات زمنية ماضية قبل أن يقوم الرئيس عون بهذه الخطوة التي وصفها الرئيس بري ب " الجريمة ".
إقرأ أيضا : قطع الكهرباء عن الضاحية والجنوب ... معاقبة لبري أو صدفة ؟
وإن كان بري كعادته يحاول على قدر الإمكان عدم كسر الجرة نهائيا مع عون إلا أنه يعرف جيدا أن الأمر من الصعب هضمه كونه تم بعيدا عنه وتفاجىء به وهو لم يعتد على هذه الأساليب ويرى أن كلمته قد كسرت في هذا الموضوع وتم تجاوزه.
ولا شك أن عتب بري يتجاوز عون إلى الحريري أيضا إلا أن العلاقة مع الأخيرة تبقى مضبوطة وهي قائمة على علاقات مشتركة ما بين العائلي والسياسي والمالي وغيره وبالتالي المشكلة مع الحريري أخف وطأة من المشكلة مع عون الذي يضع في إستراتيجية المواجهة مع بري خيارات مرة وصعبة كالإقصاء مثلا وإظهار بري إعلاميا على أنه لم يعد الرقم الصعب في المعادلة اللبنانية.
وحقيقة أمر وضع الرئيس بري بعد توقيع المرسوم جد صعبة من دون مجاملات أو عمليات تجميل وهو يبحث عن خيارات لا تقل صعوبة وإستفزازا عن خيار عون التوقيع على المرسوم.
ومن بين الخيارات التي قد يقدم عليها الرئيس بري هو سحب وزراء حركة أمل من الحكومة كما ألمحت لذلك مصادر وزارية لجريدة " اللواء ".
ومعلومات هذه المصادر تتقاطع مع ما قاله بري حرفيا للإعلام منذ اليوم للأزمة بأنه يرفض الأمر حتى لو أدى ذلك إلى شلل حكومي.
إقرأ أيضا : وساطة بين عين التينة وبعبدا وعون متمسك بالمرسوم حتى النهاية
لكن الأمر قد يتعدى ذلك إلى تقديم الإستقالة وقلب الطاولة على رأس الجميع ، فبري لن يقبل بأن يتحول إلى رقم عادي في المعادلة السياسية ويرفض أن يتم تكريس أعراف في البلد لتجاوزه في الملفات السياسية الكبرى.
هي بإختصار إحدى حلقات الصراع الباكر والإستفزاز والإبتزاز على هوية رئيس المجلس النيابي القادم.
وحتى ذلك الوقت ، سيبقى العونيون يحاولون إضعاف بري وتهميشه وإستفزازه وسيستمر بري في إستيعاب الهجمات حتى توجيه الضربة النهائية في حال قرر الذهاب بعيدا وشعر بأن لا شيء سيخسره.
ضربة قد تكون بدايتها إنسحاب وإستقالة من الحكومة لكن لا يعرف أحد كيف تكون خاتمتها.
وربما التلويح بالإنسحاب يكون من عدة الشغل لرفع الشروط في لعبة المفاوضات التي يتقنها بري ويتقنها أيضا عون ولا شك أن حزب الله سيحرص على أن لا تصل الأمور إلى هذا الحد.