مع كل يوم، تجربة مؤلمة، وكلام ساخر يُطارد شكلها، ولأن المجتمع لا يرحم، ولأن نظرات الناس تتهامس عندما تلمح تلك الفتاة التي أخطأت في جُرم لم ترتكبه وهو "البدانة"؛ تعيش نور (إسم مستعار)، أزمة نفسية وصحية زادت مع إهانة الناس لها، إذ يبلغ وزنها 114 كيلو غرام، عن عمرٍ يُناهز 20 عام.
عاشت نور معاناة تبدأ معها منذ الصباح حتى عودتها إلى المنزل، وتُفسر صعوبة بداية يومها قائلة: "أواجه صعوبة كبيرة للنهوض من على فراشي، لأن حجمي لا يساعدني على الوقوف بسهولة".
وبعد محاولة الوقوف والتحضير للخروج من المنزل، تكتشف نور أنها لا تملك الكثير من الملابس ليس لأنها لا تملك المال بل لأنها لا تحب التسوق، "أكره التسوق، ويسألني الكثيرون ألا تملين من ثيابك، فلا أحب نظرات أصحاب المحلات لي، ونادرًا ما كنتُ أجد ملابس تُليق بي، وفي حال وجدت سيكون السعر أغلى، وأصبحتُ لا أبحث عن ملابس تُعجبني وتُليق بي، إنما ملابس تُناسب مقاسي أو ملابس غير مناسبة لعمري"، وتقول ضاحكة: "إيه صرت عم بلبس تياب إمي، حتى تياب بيي كمان بس هوي أضعف"، وتُضيف: "حتى الحذاء، أتصارع معه، فلا يمكنني الإنحناء لربطه، وأشعر كأن شيئًا بداخلي يتمزق عندما أنحني".
إقرأ أيضًا: عهد التميمي جميلة فلسطين
الإهانة أصعب من البدانة
يتعامل أي شخص بدين مع بدانته على أنها حالة صحية صعبة يعاني منها، لكن حجم هذه المعاناة لا يُقاس بحجم النظرات والكلام الذي كانت تسمعه نور من الناس، إذ تقول: "هناك أشخاص لا أنسى إنتقادهم لي، لم يحترموني، لا بل وصلتْ وقاحتهم إلى أن يسألوني بسخرية: ليش هيك وزنك، مين بدو يتجوزك، حتى لو تجوزتي مش مقبول تكوني هلقد ناصحة شو تركتي لبعد الزواج"، وتسأل نور "من قال أنني أريد الزواج، أريد أن يتركوني وشأني، أن أكون ناجحة في حياتي وجامعتي..."، وصمتت قليلاً حين ذكرت جامعتها ثم تابعت بغصة: "حتى في الجامعة يسخر مني العديد من الطلاب؛ عندما كنت أجلس على المقعد أثناء المحاضرة، يقولون لي "زيحي ماخدة محل تنين"، أو حتى عندما كنت أجلس في إحدى المقاعد الأمامية كنت أسمع تعليقاتهم، أنهم لا يرون اللوح جيدًا نظرًا لضخامة شكلي، فهل قانون الجامعة يُجبر البدين على الجلوس في المقاعد الخلفية؟؟"
يوم لن أنساه أبدًا
لم تقتصر معاناة نور على سخرية الطلاب لها في حرم الجامعة، لا بل تُرافقها المعاناة لدى المغادرة، تقول نور: "عندما كنتُ أنتهي من جميع محاضراتي في الجامعة، وأغادر برفقة أصدقائي، كُنا كالمعتاد ننتظر الباص، ويوم من الأيام حدث موقف محرج جدًا لم أنساه حتى اليوم، ولم أنسَ وجه ذلك الشخص أبدًا"، تروي نور ما حدث قائلة: "كان الباص وقتها حاشدًا، وعندما أردتُ الصعود، فإذ بالسائق يُشير إلي أمام جميع الركاب طالباً أن لا أصعد، مُشيراً بيديه أنني بدينة و"باخد محل راكبين"، في ذلك اليوم لم أشعر بالإحراج فقط، إنما كان ذلك صدمة كبيرة، تضايقتُ كثيرًا وشعرتُ بالإهانة، والسبب وزني، فلماذا هكذا نوع من الناس تتعامل معنا بهذا الأسلوب؟ ما الذي فعلناه؟ هل أذيتهم بشيء؟ لا هم الذين يؤذونني دائمًا...
الأهل والأقارب
لطالما إعتادت نور على كلام أهلها، وعلى نفس التعليقات "لماذا تأكلين كثيرًا، لا يجب أن تأكلي من هذا الطعام، ألا تكتفين بحجمك هذا...."، إلا أنها كانت تتقبل كلامهم، لكن ما كان يُحرجها هو عندما يظن الناس أنها أكبر من أخواتها علمًا أنها الأصغر، وتقول ضاحكة: "ما ببيونو إخواتي قدامي".
أما كلام أقارب نور كان يجرحها جدًا، وتروي قائلة: "عندما كنا تخطط للذهاب في مشوار، دائمًا يُلمِح لي أحد الأقرباء بأنني سآخذ مكان كبير في السيارة، وأنهم سيتضايقون مني في المشوار، عدا عن سؤالهم الدائم "ما بدك تضعفي؟؟"
إقرأ أيضًا: لعنة النبي ساري أم لعنة إهمال الدولة؟
الحمية والتّحدي الصعب
واجهت نور صعوبات كثيرة في كل مرة حاولت فيها التخفيف من وزنها، وكلما كانت تقرر إتباع حمية غذائية، تصطدم بمن يُحطم معنوياتها ويُثابر على السخرية من شكلها، عدا عن حرمانها من الطعام المفضل لديها، ما يدفعها إلى الإستسلام وأكل المزيد من الطعام.
وبقيت نور على هذه الحالة إلى أن أصر أهلها على ضرورة زيارتها لأخصائية التغذية، وقبلتْ بذلك، وعن الزيارة الأولى تقول نور "أول يوم زرتُ فيه الأخصائية قالت لي أني ضمن أعلى درجات البدانة، وكان وزني 114 كيلو غرام، وفي الفترة الأولى، شعرتُ بحالة غير مرغوب بها أبدًا، فلماذا علي أن لا أكل الأكل الذي أحبه؟ لماذا كل ما أرغب به ممنوع؟ أصبحتُ أغضب كثيرًا ومررتُ بحالة نفسية متعبة جدًا".
أما بعد مرور أسبوعين على الحمية، خسرت نور 3 كيلوغرام، وتقول: "شعرتُ بدايةً براحة نفسية، وصولاً إلى خسارتي لحوالي 16 كيلو غرام، ومن هنا بدأ الجميع يُلاحظ خسارتي للوزن، وبدأتُ أسمع منهم عبارة "ضعفاني"، وأحببتُ هذه الكلمة جدًا لكنني لم أكتفِ بذلك، وثابرتُ على الحمية والرياضة، وبعد 6 أشهر خسرتُ 32 كيلو غرام حتى الآن، وكل من يُصادفني يتفاجىء بشكلي الجديد، وأصبح الموضوع بالنسبة لي تحدٍ كبير خصوصًا بوجه كل شخص أهانني وكان السبب في تعاستي".
البدانة ليست جريمة
تحتاج نور في هذه الفترة إلى خسارة حوالي 7 كيلو غرام، للوصول إلى الوزن المثالي، وتقول "أنا راضية تمامًا بما أنا عليه اليوم، تعرضتُ لكلام قاسٍ جدًا ومواقف محرجة، وكلام الناس لم يرحمني، وتقول نور لكل شخص يعاني من البدانة: "حاولوا تضعفوا كرمالكن وما يهمكن حكي الناس، أنا ضعفت كرمال صحتي مش كرمال حدا، البدانة مش جريمة، ومش رح إنسى كل الإهانات".