بعد أربع وعشرين ساعة من دخول النائب وليد جنبلاط على خطّ مساندة الرئيس نبيه بري في معارضته مرسوم ترقية ضباط دورة عون في العام 1994، وإعلانه رفضه ذلك والدعوة إلى الحفاظ على الكفاءة في المؤسسة العسكرية، حلّ رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل برفقة زوجته ضيفاً على كليمنصو حيث التقى جنبلاط ونجله تيمور. وأصرّ جنبلاط على وصف اللقاء بأنه "سياسي ودي وصريح مع الوزير باسيل، شمل عناوين عدة ومتفرقة. واتفقنا على ضرورة تمتين العلاقة الثنائية معه ومع التيار الوطني الحر والتعاون لمعالجة مواضيع عالقة من أجل مصلحة الوطن".
وتصف مصادر متابعة اللقاء بالصريح جداً كما وصفه جنبلاط، إذ جرى التداول في مختلف الاستحقاقات منذ استقالة الرئيس سعد الحريري حتى اليوم، وتمهيداً للانتخابات النيابية المقبلة، مروراً بملف النفط. وأعرب جنبلاط عن حرص على الحوار والهدوء والاستقرار على الساحة اللبنانية. وشدد على وجوب التلاقي بين مختلف الأفرقاء للحفاظ على التسوية وإنجاح العهد. وهذا ما كان بادياً منذ اليوم الأول لاستقالة الحريري، حيث التقى الخصوم على موقف واحد، وكانت كل المواقف متقاربة ومتفقة على المصلحة الوطنية. ارتكز جنبلاط على المنطق الجامع، للعبور إلى الأزمة المستجدة مع الرئيس بري. وأشار إلى أنه ليس صحياً للعهد أن يعود التوتر مع عين التينة، بعد التقارب الذي حصل مؤخراً لأجل ملفات لا ترقى إلى المصاف الاستراتيجي أو المهم.
لا يعارض جنبلاط أن يقدم عون على إنصاف المحسوبين عليه وأنصاره، لكنه يفضّل أن يكون ذلك بناء على الدستور والميثاق. ولا يمكن خرق الدستور بتجاوز صلاحية أساسية لتمرير أي قرار يتّخذ والذي يحتاج إلى توقيع وزير المال. وهو يرى أنه ليس إيجابياً أن يتم تخطّي رئيس المجلس في هكذا مسألة، خصوصاً أن المصادر تفيد بأن بري منزعج جداً من طريقة مقاربة الملف وتوقيع المرسوم، بدون مشاورته، وكأن هناك من يسعى إلى إعادة منطق الثنائية في الحكم. وتضيف المصادر أن لبري مطالب تضاف إلى تشدد في التمسك بتوقيع وزير المال على كل المراسيم التي يجب أن تصدر، وقد تكون هذه المطالب في إطار إنصافه أيضاً لبعض الضباط في الجيش المحسوبين عليه، والذين طردوا تعسفياً من المؤسسة العسكرية لأسباب لها علاقة بالحرب، وهؤلاء اتخذت إجراءات بحقهم في مرحلة ما قبل الطائف وما بعده. ويجد بري، بحسب المصادر، أنه طالما سيتم فتح هذا الملف يجب أن يشمل الجميع للحفاظ على مبدأ المناصفة.
لا يبدو بري مستعداً للتنازل، بل هو ذاهب نحو مزيد من التصعيد. لذلك، دخلت وساطات عديدة من بينها وساطة جنبلاط للوصول إلى تسوية وحلّ وسط، لأنه إذا لم يتم التوصل إلى حلّها قبل رأس السنة، فإن لبرّي ورقة كبرى سيلعبها، وهي عدم توقيع وزير المال على ترقيات الضباط التي تستحق في 1/1/2018. وهذه ما ستؤثر سلباً على وضع المؤسسة العسكرية. لذلك، حاول جنبلاط لعب دور الوساطة لتقريب وجهات النظر.
هدف باسيل من خلال زيارة جنبلاط إلى تعزيز العلاقة معه، ولذلك رافقته زوجته، لإضفاء جوّ عائلي، لعلّه ينعكس في الانتخابات المقبلة، بحيث تخاض على أساس "عائلي أيضاً" بين مختلف القوى. بمعنى آخر، أن يتوسّع التحالف ليضم مزيداً من القوى السياسية إلى تحالف تياري الوطني الحر والمستقبل، وحركة أمل وحزب الله. وقد أصر جنبلاط على مصالحة الجبل، وعلى استمرار العلاقة الجيدة مع كل القوى المسيحية في الجبل، وتحديداً مع التيار والقوات. لذلك، أبدى رغبته في عقد تحالف عريض وتشكيل لائحة ائتلافية تضم القوات والتيار والمستقبل، للحفاظ على التسوية، ولعدم حصول أي توترات تؤدي إلى اهتزاز المصالحة.
لم يهمل اللقاء الجوانب الإقتصادية والمالية، إذ تركز البحث على ضرورة الحفاظ على الوضع الإقتصادي والتنبه لمخاطر قد تنجم عن بعض الآليات التي أبدى جنبلاط وجهة نظره صراحة حيالها، مشدداً على وجوب الاستفادة من إقرار ملف التلزيمات النفطية، وتخفيف منسوب الهدر والفساد. أما إقليمياً، فاعتبر جنبلاط أنه لا بد من الحفاظ على العلاقة الجيدة مع المملكة العربية السعودية، وعدم الاستمرار في توجيه إشارات سلبية تجاهها، داعياً إلى تخطّي حقبة استقالة الحريري ومكوثه في الرياض، مع إشارته إلى إدارة عون وباسيل الجيدة للأزمة، والتي أدت إلى تحلّق اللبنانيين حولها من حلفاء وخصوم.