وعلى رغم الموقف الإستيعابي الذي أبداه رئيس الجمهورية و"حزب الله" تجاه الحريري فإن ما يجمع بين الثلاثة على المستوى الإستراتيجي أقل بكثير مما يفرّق بينهم، وبالأخصّ في ما يتعلق بالوضع الإقليمي والموقف غير المتطابق مع النظام السوري.
ومع أن بيان "النأي بالنفس" ألزم الجميع ورقيًّا من دون أن يلمس الرئيس الحريري شخصيًّا ما يؤكد إلتزام "حزب الله" هذه السياسية بالفعل وليس بالقول فقط، والدليل أن الحزب لا يخفي أسماء الذين سقطوا من مقاتليه في سوريا في الأيام التي تلت إعلان "النأي بالنفس"، فإن ما بدأ يظهر من خلافات بين أهل الحكم قد تتوسع رقعتها،خصوصًا أن سياسة الإحتضان لم تستطع التخفيف من وطأتها، لأن الحريري، وهو إبن بيئته، غير قادر على السير مسافة طويلة عكس التيار، مع ما تفرضه عليه تركيبة تياره "الأزرق" من "شروط التموضع"، ومدى قدرة بعض المحسوبين على الخطّ المناهض لسياسة إيران في المنطقة على خربطة ما يُخطّط له من تسويات متعددة الأضلع لإخراجهم من دائرة التأثير في محيطهم وبيئتهم.
وفي علم السياسة، وكما أنه ليس هناك أصدقاء أو أعداء دائمون، فإن ثمة طلعات تقابلها نزلات، وأن ما يصحّ تبنّيه اليوم قد يتمّ إستبعاده غدًا، والعكس صحيح، من دون أن يعني ذلك إمكانية تخلّي الحريري عما يعتبره دعمًا من قبل محور 8 آذار ولم يره من 14 آذار، قبل أن تتبلور صورة علاقة السعودية به، مع الأخذ في الإعتبار أنه لا يستطيع أن يدير ظهره إلى ما يعتبره مدًّا حيويًا لبيئته.
فالوقت داهم وهو لا يلعب، كما يقول بعض العارفين، لمصلحة الحريري على المديين المتوسط والبعيد، خصوصًا أن مستقبله السياسي يعتمد في شكل أساسي على ملاءمة إختيار تحالفاته الإنتخابية، التي ستكون إنعكاسًا طبيعيًا لتحالفاته السياسية، والتي يمكن أن تقيّده بخيارات سياسية لا تنسجم مع رغبات شارعه، مما يعرّضه لخضّات داخلية من غير الأكيد أنه قادر على ضبط إيقاعها.
اندريه قصاص