الأزمة الدبلوماسية الصامتة بين لبنان والمملكة العربية السعودية لا تزال قائمة. لا يقتصر الأمر على تداعيات احتجاز الرياض لرئيس الحكومة سعد الحريري في الرابع من تشرين الثاني الماضي، وإجباره على الاستقالة، قبل التراجع عن ذلك بفعل الموقف الداخلي والضغط الدولي.
الأزمة التي لا تزال مستمرة متصلة بقرار السعودية التعامل مع لبنان بصفتها «دولة وصاية» عليه، فتسمح لنفسها بعدم قبول سفيره لديها، رغم مضيّ 5 أشهر على طلب اعتماده، وتصرّ في الوقت عينه على أن يقبل لبنان تعيين سفيرها لديه. الجانب اللبناني لم يعامل الرياض بالمثل. فهو وافق على تعيين سفيرها وليد اليعقوب، لكن من دون أن تحدّد وزارة الخارجية موعداً له لتقديم أوراق اعتماده. أما الرياض، فلم تكلّف نفسها عناء الرد على الرسالة اللبنانية بتعيين السفير فوزي كبارة، رغم انتهاء مهلة الثلاثة أشهر العرفية لقبول سفير أو رفضه.
اعتقدت المملكة العربية السعودية أنّها ما إن تُرسل سفيرها وليد اليعقوب، وتوافق الدولة اللبنانية عليه، ستُسارع وزارة الخارجية إلى تحديد موعدٍ له لتقديم أوراق اعتماده إلى الرئيس ميشال عون. إلا أنّ «الصفعة» اللبنانية كانت في عدم تعيين موعدٍ لليعقوب. لم تُعلن الخارجية اللبنانية السبب، لكنّ مصادر «بسترس» وبعبدا تقول إنّ عون لن يتسلّم أوراق اعتماد اليعقوب لعدة أسباب، أبرزها أنّ المملكة لا تزال تمتنع عن قبول اعتماد السفير اللبناني المُعيّن لديها فوزي كبارة، رغم مضيّ 5 أشهر على إرسال ملفه إلى السعودية. تعامُل الدولة، وتحديداً رئاسة الجمهورية، مع السعودية لا يرقى إلى مبدأ المعاملة بالمثل (التعامل بالمثل كان يقتضي ألا يقبل لبنان تعيين اليعقوب إلى حين ورود الجواب على اقتراح تعيين كبارة). رغم ذلك، فإن مملكة الوصاية تعبّر عن غضبها من الأداء اللبناني.
تُعطي السعودية لنفسها حقّ «إهانة» الدبلوماسية اللبنانية، ولكنها في المقابل لا تجد حرجاً في التعبير بين أوساطها عن استيائها من الخارجية اللبنانية لعدم تحديدها موعداً لليعقوب، وقرّرت تشغيل ماكينةٍ سياسية تواكبها في حملتها. في هذا الإطار يوضع تصريح الوزير مروان حمادة أمس لصحيفة «اللواء»، الذي قال إنّه سيُثير مسألة اليعقوب في مجلس الوزراء اليوم، «لأن دولة مثل السعودية تدعم لبنان منذ سبعين سنة وتضم نحو 250 ألف لبناني، لا يجوز أن نغلط معها». وادّعى حمادة أنّ السعودية «موافقة على تعيين كبارة، لكن حصل بعض التأخير في إرسال السيرة الذاتية له كونه معيّناً من خارج الملاك». إلا أنّه بحسب مصادر الخارجية، كلام وزير التربية «غير صحيح، والمشكلة مع كبارة سياسية بالدرجة الأولى»، مع الإشارة إلى أنّ الحريري شخصياً سمّى كبارة كسفيرٍ في الرياض. وتُضيف المصادر أنّ تيار المستقبل حاول التدخل للاستيضاح من الرياض حول الأمر، «فكان يأتيه الجواب أنّه لا مُشكلة مع كبّارة وهم موافقون على تعيينه. إلا أنّه حتى الساعة لم تصل إلى وزارة الخارجية أوراق الموافقة». يُشبه الأمر ما حصل مع السفير اللبناني لدى الكويت ريان سعيد، الذي أوصلت الدولة الخليجية رسالةً بأنّها لن تقبل اعتماده بسبب طائفته وصدور الحُكم بحقّ «خلية العبدلي»، فدفع ذلك وزارة الخارجية إلى التريّث في إرسال أوراق سعيد، من دون أن يُحلّ الأمر حتى تاريخه. ولا يزال سعيد يُمارس أعماله في بعثة لبنان في الأمم المتحدة في جنيف، على الرغم من تسلّم السفير سليم بدورة لمنصبه الجديد، فبات هناك دبلوماسيان من الفئة الأولى في البعثة نفسها.
أزمة «دورة عون» تتمدّد
من ناحيةٍ أخرى، علمت «الأخبار» أنّ الحريري طلب من الأمين العام لمجلس الوزراء فؤاد فليفل التمهّل في نشر المرسوم المُتعلّق بمنح أقدمية سنة لضباط الجيش الذي تخرّجوا في المدرسة الحربية عام 1994، وتُطلق عليهم تسمية ضباط «دورة عون» (كونهم دخلوا «الحربية» إبان فترة رئاسة العماد ميشال عون للحكومة العسكرية). وسبب عدم التسرّع في نشر المرسوم في الجريدة الرسمية يعود إلى الأزمة التي أثارها صدوره بين عون والحريري من جهة، ورئيس مجلس النواب نبيه برّي من جهة أخرى. فقد وقّع رئيسا الجمهورية والحكومة المرسوم يوم السبت، مُتخطّيان توقيع وزير المال علي حسن خليل. مصادر تيار المستقبل تُقلّل من أهميّة ما حصل، عبر القول «إنّ مرسوم الترقيات لا يحتاج إلى توقيع وزير المال، ونحن لم نُخطئ بحق الرئيس برّي، ولكن بالتأكيد سيكون هناك تواصل بيننا من أجل حلّ الأمر»، علماً بأنّ في القانون اللبناني نوعين من المراسيم، الأول يحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء والثاني يُعرف بالمراسيم الجوّالة، إلا أنّ الاثنين بحاجة إلى تواقيع الوزير المختص، وزير المال، ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية (باستثناء مراسيم تأليف الحكومة وقبول استقالتها التي لا تحتاج سوى إلى توقيع رئيس الجمهورية وحده). لذلك، يُعتبر تخطّي توقيع وزير المال مُخالفة دستورية، في نظر عدد من القوى السياسية الممثلة في مجلس الوزراء (حركة أمل، حزب الله، الحزب التقدمي الاشتراكي)، فيما يرى المدافعون عن المرسوم أنه لا يرتّب أيّ أعباء مالية، وبالتالي، لا حاجة إلى توقيع وزير المال. بيد أن القضية ليست دستورية وقانونية صرف، بل تتجاوز ذلك إلى التوازنات الطائفية التي تحكم العمل السياسي، وإلى الأوضاع داخل المؤسسة العسكرية التي انقسم ضباطها حول القضية، بين مؤيد «لإنصاف ضباط مظلومين»، وشاكٍ من «ظلم سيُلحِقه المرسوم بضباط آخرين».
مصادر برّي تصف ما حصل بأنّه «لا يقلّ خطورة عن أزمة 4 تشرين الثاني مع الحريري، ومشكلتنا ليست فقط مع عون، بل أيضاً مع الحريري الذي قد لا يكون مُتنبّهاً لخطورة توقيع المرسوم، وسبق أن وعدنا بعدم توقيعه». وأبلغ وزير المال علي حسن خليل موقف بري إلى الحريري أمس، فطلب الأخير من فليفل عدم نشر المرسوم سريعاً.
مصادر متابعة للملف استغربت «كيف يوقّع الحريري المرسوم، ويوقف في المقابل مشروع أقدمية لأحد الأجهزة الأمنية بحجة عدم التوازن الطائفي بين الضباط المقترحين لنيل الأقدمية»، زاعمةً أنّ الذي سوّق لترقيات «دورة عون» هو أحد «مستشاري رئيس الجمهورية». وقالت المصادر إنّ ضباط دورة الـ1994 «أُنصفوا عندما تخرّجوا في نيسان تلك السنة، وليس في آب 1994، ما أكسبهم 6 أشهر للترقية قبل زملائهم». أما القول إنّهم أضاعوا سنتين من عمرهم العسكري، «فهم كانوا يقبضون رواتبهم، ومعظمهم نال شهادات جامعية».
من جهتها، رفضت مصادر التيار الوطني الحر التعليق، إلا أنّ قناة «أو تي في» عرضت تقريراً ذكرت فيه أنّ المرسوم لا يحتاج إلى توقيع وزير المال «كونه لا يُرتّب أعباءً مالية، لأنّ سنة الأقدمية تُسرّع ترقيتهم ولا تعني ترقيتهم الفورية». وقد عدّدت المحطة عدداً من المراسيم التي صدرت في عهود سابقة من دون توقيع وزير المال.