تؤكد الوقائع المحيطة بمرسوم الاقدمية، أنه نار مشتعلة تحت الرماد، وعكست الساعات الماضية معطيات مؤكدة حول دخول العلاقات الرئاسية مرحلة حرجة يحكمها توتر شديد يُنذر بسخونة أشد في القابِل من الايام، تفتح على احتمالات سلبية ومعقدة، وذلك تبعاً لأجواء النقاشات المكثّفة التي دارت في الساعات الـ24 الماضية بين بعبدا وعين التينة وبيت الوسط.
حيث عكست الوقائع التي حصلت عليها «الجمهورية» تَمسّك رئيس الجمهورية بهذا المرسوم ونشره، ومُماشاة رئيس الحكومة لرئيس الحكومة في هذا الامر، مقابل الاعتراض الشديد من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري.
بري
وبَدا جَلياً انّ اعتراض بري هو لأسباب كثيرة، ليس الخطير فيها تَخطّي وزير المال علي حسن خليل وتجاوز توقيعه على المرسوم، وهي في رأي رئيس المجلس سابقة خطيرة، إنما الأخطر كما قال بري هو «انّ هذا الامر يضرب الميثاق والقانون، والأكثر خطورة انه يشكّل جريمة بحق الجيش، هذا الجيش الوطني الذي كنّا وما زلنا حريصين على حمايته وعلى تماسكه، وحَميناه ونحميه بأشفار عيوننا». وعندما سُئل: ماذا لو تمّ الإصرار على المرسوم؟ أجاب: ساعتئذ لكل حادث حديث.
وفي السياق يأتي اعتراض «حزب الله» والنائب وليد جنبلاط على هذا المرسوم، وقد عبّر رئيس الحزب التقدمي عن اعتراضه بتغريدة عبر «تويتر» دعا فيها الى ترك الجيش «بعيداً عن الحسابات الضيقة والطائفية، وعن رواسب الحرب الاهلية». وقال: «لا لدورات على حساب الكفاءة».
توضيحات
وفي وقت كان المرسوم المذكور على أهبة إحالته أمس الى النشر ليصبح نافذاً، تحركت الاتصالات في اكثر من اتجاه. وبحسب المعلومات فإنّ رئيس الجمهورية أرسل توضيحات عبر قناة معينة في اتجاه عين التينة، تضمنت التأكيد أن ليس في الامر او في الخلفية او في النية محاولة تجاوز لفئة معيّنة، إنما هناك سابقة من هذا النوع تمّ الاستناد إليها.
الّا انّ الرد على التوضيحات لفت الى «انه اذا كان هناك خطأ ما قد وقع في الماضي فهذا لا يبرّر الاستناد اليه لتكراره، وبالتالي ما يُبنى على باطل فهو باطل».
الحريري وخليل
والموضوع نفسه كان محلّ لقاء بين رئيس الحكومة ووزير المال، وبحسب المعلومات فإنّ الحريري حاول تبرير توقيعه المرسوم، إلّا انّ الوزير علي حسن خليل حذّر من انّ السير بهذا المرسوم سيفجّر مشكلة كبرى وأزمة كبرى. وانتهى الاجتماع عند هذا الحد مع فتح الباب على مزيد من التشاور، مَقروناً بالترَيّث في نشر المرسوم بعد اعتراض بري الشديد عليه، والذي أبلغه خليل للحريري.
وكشفت مصادر وزارية معنية بهذا الملف لـ«الجمهورية» انها فوجئت بتوقيع المرسوم بالطريقة التي تمّت، خصوصاً انّ هذا الأمر قد سبق وطرح على مجلس النواب بصيغة اقتراح قانون قَدّمه تكتل الاصلاح والتغيير قبل أشهر، ولم يتمّ السير به، كما انها فوجئت بتغيير موقف الرئيس الحريري منه، إذ انّ رئيس الحكومة، وعندما راجَعه احد الوزراء المعنيين بتوقيع المرسوم، أبلغَه ما حرفيّته انّ هذا المرسوم يخرّب الجيش، وانا لا يمكن ان أوقعه. وعندما تمّ استيضاحه عن الامر بالأمس، أشار الى انه تعرّض لضغوط وإلحاح شديد من قبل رئيس الجمهورية».
المعترضون
وبحسب أجواء المعترضين على المرسوم كما لَخّصتها مصادر وزير لـ«الجمهورية»، فإنّ ما حصل هو أخطر من أزمة استقالة الحريري، وهو امر لا يُعالج تحت سقف التسويات، بل يجب ان يعالج وفق الأصول، وإذا لم يعالج وفق هذه الاصول فإننا ذاهبون الى مشكل كبير جداً. خصوصاً انّ في هذا المرسوم، سواء بمضمونه او بالطريقة التي وقّع فيها، ثغرات موصوفة.
الأولى انه يتجاوز توقيع وزير المال بحجّة انه لا يُرتِّب أعباء مالية، وهو أمر ينفيه وزير المال ويؤكد وجود العبء المالي. والثانية انه ينطوي على مخالفة ميثاقية بامتياز.
والثالثة انه يضرب مبدأ العدالة والمساواة في المؤسسة العسكرية للمسلمين والمسيحيين على السواء. والرابعة انه مُجحف بحق ضباط الدورات التالية لدورة الضباط المنوي منحهم سنة أقدمية بحيث يمنحهم أسبقية عليهم. والخامسة انه عبث كبير بمؤسسة الجيش ويضرب التوازن الطائفي داخلها.
وسألت «الجمهورية» مصادر وزارية معنية بالمرسوم عن المدى الذي يمكن ان يبلغه الاعتراض عليه، وعن الخطوات التي يمكن ان تتخذ في حال تم الإصرار عليه، فقالت: دعونا لا نضع سقوفاً من الآن، نحن ننتظر ان تتمّ معالجة الأمر، وإن لم يحصل ذلك فكل الاحتمالات واردة، مشيرة في هذا السياق الى تداعيات قد تهدد الحكومة.
ملف الاتصالات
وعلى خط مواز من الأزمات، يبرز ملف الاتصالات الذي يبدو بدوره انه موضوع على نار التوتر الشديد بين الوزارة والقضاء والرقابة البرلمانية، وفيما ينتظر أن يبتّ مجلس شورى الدولة بالطعن المقدّم بقرار وزير الاتصالات حول شركة «GBS» التي تمّ منحها أموراً تتعلق بتمديدات وإيصال الانترنت الى المنازل وإعطائها بعض الكابلات والمعدات والخرائط وحتى موظفين، يتابع المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم مهامه في مقاربة هذا الملف وإجراء الاستجوابات حول ما وَصفته أوساط بارزة في لجنة الاعلام النيابية ملفاً تعتريه «شبهات وهدر وعرقلة لعمل القضاء، وتحويل أوجيرو الى شركة تعمل لمصلحة شركة خاصة».
فضل الله
وتؤشّر الوقائع المحيطة بهذا الملف، بأنه سيكون أحد ابرز الملفات الساخنة التي تطلّ مع السنة الجديدة، وسط إصرار من قبل لجنة الاعلام النيابية على المضِي في مقاربة هذا الملف بما يتطلّبه.
وفي هذا السياق قال رئيس اللجنة النائب حسن فضل الله لـ«الجمهورية»: جميع المستندات والوثائق في هذه القضية في عهدة القضاء، وما أنجزته لجنة الاتصالات سابقة في تاريخ الرقابة البرلمانية.
لكن هناك عرقلة مكشوفة ومفضوحة لعمل القضاء لمَنعه من القيام بواجباته، فالتأخير الحاصل في بَتّ الامور قضائياً يعطي هامشاً زمنياً لشركة خاصة ليتحوّل استيلاؤها على قطاع واسع من الاتصالات الى أمر واقع.
أضاف: لقد بلغ الامر حَدّ وضع إمكانات مؤسسة الاتصالات الرسمية وموظفيها بخدمة شركة خاصة تُسابق الزمن للاستيلاء على واحد من أهم الموارد المالية للدولة موجود في قطاع الاتصالات. ولو كان لدينا تطبيق دقيق للقانون وحرص على المال العام، لأوقفت جميع الاعمال، على الأقل بانتظار ان يحسم القضاء الأمر، ويبتّ مجلس شورى الدولة بالطعون المقدّمة.
واكد انه «لم يعد هناك مبرر للتأخير من قبل القضاء، وهذا التأخير يثير تساؤلات وشكوكاً كثيرة، ويذكّرنا بما حصل في ملف الانترنت غير الشرعي والتخابر غير الشرعي، وهو ما أساء لصدقية القضاء لأنه لم يحاسب المرتكبين ولم يَستعِد المال المَنهوب».
وقال: لا نريد ان تتكرر التجربة في الملف القائم حالياً، فما يجري هو استغلال ظرف سياسي لتمرير صفقة مالية بتواطؤ سياسي على المكشوف، وقد نصبح أمام حاجة مُلحّة لعقد جلسة عاجلة واستثنائية للهيئة العامة لمجلس النواب لاستجواب الحكومة على تغطية هذه المخالفة الخطيرة.
موغريني
من جهة ثانية، تقوم الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائبة رئيس المفوضية الأوروبية فيديريكا موغريني بزيارة الى لبنان اليوم، للقاء الرؤساء الثلاثة ووزير الخارجية. وقالت مصادر السراي الحكومي لـ«الجمهورية» انّ الزيارة أولى مظاهر الدعم العملية للبنان وفي إطار التحضير للمؤتمرات الثلاثة: الأوّل في روما الخاص بدعم الجيش، والثاني في المانيا المخصّص للنازحين، والثالث مؤتمر باريس لدعم الإقتصاد.
وعشيّة وصول موغوريني، إستقبل الحريري في «بيت الوسط» المسؤول في وزارة الخارجية الفرنسية المُكلّف التحضير للمؤتمر الاقتصادي لدعم الاستثمار في لبنان، السفير بيار دوكازن، الذي قال إنه جاء «للتحضير لِما يجب القيام به من عمل مع لبنان من أجل مساعدته على إعداد برنامج الاستثمار والإصلاحات التي يجب أن ترافقه».
مجلس الوزراء
على صعيد آخر، يعقد مجلس الوزراء جلسة عادية اليوم في السراي الحكومي، وسيبحث في جدول أعماله مشروع مرسوم لتعديل سن التقاعد في السلك الدبلوماسي لرَفعه من 64 عاماً الى 68، وسط معلومات عن خلاف حول الاقتراح الذي تقدّم به وزير الخارجية خلافاً لقانون الموظفين، ومَنعاً للتفرقة بين الموظفين.