كُتب على جبينها الأسود أن تهاجر وتقضي أكثر من ثلاث سنوات في بلاد الغربة حتى تعود محملة بالهدايا، والمال لتبني منزلًا في بلدها وتتزوج، بعد أن قررت عائلاتهن وحتى الحكومات في بلدانهن الفقيرة تشجيعهن على الهجرة لأن أغلبهن "معيلات الأسر".
رحلة المعاناة
تبدأ فور وصول العاملة إلى منزل موكّلها، إذ يصادر جواز سفرها، ولا يخصص لها غرفة نوم مستقلة، وإذا تعرضت لأي إساءة، فأمامها خياران: إما أن تُرحّل وإما أن تُكمل عملها تحت ظروف الإستغلال.
فنظام الكفالة الذي يضع السلطة في يد الموظِّف التحكم في ظروف العمل بسبب غياب أي رقابة على التعامل مع العاملات، فلا يبقى أمامهن أي خيار بديل، وهنّ لا يمنحن الحق في العمل في منزل آخر، لأن الأعمال الحرة ممنوعة، كما أنهن محرومات من ساعات الراحة اليومية الثماني، ومجبرات على العمل أكثر من ثماني ساعات في اليوم، وهو الحد الأقصى لساعات العمل.
إقرأ أيضًا: المؤبد لمرتكب سفاح القربى
سيناريو رقم 1
فقبل سبع سنوات تقريبًا قدمت البنغلاديشية جانيت "اسم وهمي" إلى بيروت للعمل في مجال الخدمة المنزلية لدى عائلة لبنانية لعلها تسهم في تحسين وضع أسرتها، لكن المرأة الثلاثينية لم تكن تعلم أن رحلة معاناتها قد انطلقت.
ما يقارب الـ 15 ساعة من العمل يوميًا لدى منزل مخدوميها من دون استراحة في معظم الأحيان، منعها من الخروج إلا نادرًا برفقة ربة المنزل، إضافة إلى التعرض للضرب والتوبيخ بشكل متكرر ومصادرة جواز سفرها، هذا كله جزء بسيط من المعاناة التي دفعتها للهرب.
سيناريو رقم 2
أما الخادمة لارا "اسم وهمي" 20 عامًا تعمل في منزل مخدومتها في صيدا، فتقول: أصبح اسمي في قياسٍ زمني "حمارة"، ولـ "المستر بحبني وبدو يبوسني، ويعدني بشراء هدية"، تقصد أنه "يتحرش بها" ولكنها لا تجيد التعبير.
وتضيف: فكرت بالإنتحار ولكني تذكرت أني أتيت إلى هنا لأساعد عائلتي وأشتري "ماكنة خياطة" وهم بإنتظاري.
سيناريو رقم 3
كما حدث صباح اليوم في مطار بيروت حسب ما نشرت نادين جوني على صفحتها الشخصية "فيسبوك": "قام أحد المواطنين اللبنانيين بتوصيل عاملة منزلية عالمطار، عأساس انها رايحة تبعت مصاري لعيلتها، وبس توصل لهونيك بتكتشف إنه جايبينها تيسفروها، بيعطوها أغراضها وباسبورها وبيفوتوها عالمطار، البنت أول شي عملت قصة وصارت تبكي، ومنها فهمانة شي، غير إنه ما عطيوها مصاري ولا شي، اتدخل الجيش بالمطار وخبرتهن العاملة إنه هيي صرلها سنة ونص مش عم تقبض منهن شي وبدها مصاري، الزلمة اتهمها بالكذب وخبر الجيش انه هو معطيها مصرياتها كلهن وانه ما بدها منهن شي، والجيش آخر شي كان رده إنه ما فيه يعملها شي، مش شغلته فاتت البنت عالمطار لجوا لتقطع التيكيت، وهيي عم تبكي ما بدها تسافر.. هيي حابة اتضل، وكان بدها تفل من المطار بس الأمن العام منعها تفل لإنه اتبين إنه ما معها إقامة وبالتالي ممنوع تفوت عالأراضي اللبنانية، لهلق ما عندي فكرة اذا البنت عم بتسافر أو صار فيه تعاطف معين من الأمن العام معها.. بس مش مسموح بقى يتم التعاطي كل مرة مع العاملات المنزليات بهالطريقة وهاي مش أول مرة، متل كإنه صار فيه أسلوب كتار عم بيتبعوه، بياخدوهن عالمطار بلا مصاري بلا إقامة بلا شي، بتبقى عم تخدم بالبيوت مدري كم سنة بالآخر بتنحط بالمطار بلا ما تنعطى ولا أي حق من حقوقها وبلا أي تعويض، وبلا ما حدا أصلاً يخبرها أو ياخد رأيها بشو قرارها.....".
إقرأ أيضًا: اللبناني فؤاد مقصود أفضل مخترع في العالم العربي
الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني
حالة جانيت، لارا، وغيرهن من العاملات الأجنبيات تدفعنا لرفع الصوت عاليًا من أجل الضغط على الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني لوقف هذه الإنتهاكات، والعمل على تسليط الضوء على هذه الفئة من العمال المسلوبة أبسط حقوقها والدفاع عن قضاياها المحقّة وهي فئة تشكّل غالبيتها الكاسحة نساء مهاجرات يعانين شتّى أنواع التمييز العرقي والطبقي، ويعشن ظروف عمل لا تُحترم فيها أبسط حقوقهنّ الإنسانية، مثل حقّ العمل لساعات مُحدّدة، وحق الإحتفاظ بالمستندات الخاصة كجواز السفر، وحق الراحة والتنقّل والتواصل والتمتع بالحريات الشخصية.