فيما أطلق وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق صافرة إجراء الانتخابات في موعدها، نشطت التحركات الانتخابية للقوى السياسية كلها وفي كل اتجاه. الحماوة الانتخابية بدأت، وبدأ البحث والتساؤل عن صوغ التحالفات وكيف سترسو. وفي هذا السياق، يتكثّف كلام المستقبليين عن استحالة المواجهة الانتخابية مع التيار الوطني الحر. هناك حرص لافت من المستقبل على ضرورة التحالف انتخابياً. وتؤكد مصادر متابعة من قوى الثامن من آذار أن المستقبل سيتحالف مع التيار الوطني الحر وحركة أمل، وحزب الله في هذا الحلف ضمناً، إذ سيكون حيث تكون أمل. ومع انضمام الحزب التقدمي الاشتراكي إلى هذا التحالف، سواء أكان في بيروت أم في الجبل، فهذا يعني أن التحالف الخماسي قد تشكّل.
هي انتخابات البحث عن المصلحة والأحجام، وإن كان كثيرون يريدون إثبات أحجامهم، إلا أنها بالنسبة إلى الرئيس سعد الحريري ستتخطى ذلك. في رؤية الحريري، هو يريد تعميد "العهد" انتخابياً، مع تأكده أنه سيكون الممثل الأكبر للسنة حتى وإن انخفض عدد نوابه. فهو يعلم أنه باق رئيساً للحكومة مهما كان حجم كتلته. ويريد تعزيز التحالف وتمتينه لما بعد الانتخابات، في مجالات إقتصادية وخطط تنموية. التحالف الانتخابي بالنسبة إلى المستقبل سيكون مبنياً على أساس التحالفات النفطية والكهربائية. وهذا ما سيعزز التحالف الخماسي ويبعد آخرين.
لكن، ثمة مشكلة أساسية ستواجه الحريري انتخابياً، وهي مزاج جمهوره وكيفية تعاطيه مع تحالفاته، بالإضافة إلى وضع القوات اللبنانية وموقعها. فالتحالف بين القوات والتيار الوطني الحر أصبح شبه مستحيل. بالتالي، أين سيكون المستقبل؟ لا يريد أن يكون في مواجهة مع القوات. ولكن، من المستحيل أن يكون في مواجهة مع الرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل. لذلك، سيكون المستقبل عامل ضغط كبير على القوات لإجبارها على التنازل والالتحاق بركب التحالف الخماسي. وهذا أيضاً مستبعد، لأن القواتيين يؤكدون أن ليس من عادتهم الرضوخ للابتزاز والضغوط. وأكثر من ذلك، فإن القوات ستراهن على هذا التحالف بوجهها، لأجل تكرار تجربة عون في مواجهة التحالف الرباعي عام 2005.
وإذا كان هناك من يسأل عن موقف الحريري من التحالف انتخابياً مع عون وحزب الله، فإن هذا السؤال سيتبدد فوراً، لأن السائل سيتلقى جواباً سريعاً وواضحاً: "السعودية لن تتدخل في التحالفات الانتخابية. هي تدعم الحريري في كل خياراته، وهي قالت له مؤخراً، افعل ما تراه مناسباً وما يلائم مصلحتك، ونحن سننتظر ونرى النتائج، ليبنى على الشيء مقتضاه".
تواجه مختلف القوى السياسية صعوبات في الحديث عن التحالفات، وكيف ستكون في النهاية. أولاً، لصعوبة القانون وتماهيه مع الواقع الشعبي؛ وثانياً لأن كل طرف ينتظر ما سيقرره الطرف الآخر. ولكن، في المؤشرات الأولى لما ستكون عليه التحالفات، ففي بيروت الأولى مثلاً، لا بد من أن يكون التحالف بين المستقبل والإشتراكي وحزب الله وأمل، فيما في بيروت الثانية ستكون هناك عقبات متعددة، لأن المستقبل لا يريد أن يكون في مواجهة القوات ولا في مواجهة التيار الوطني الحر.
ولكن، يفضّل المستقبل التحالف مع التيار الوطني الحر على التحالف مع القوات، لأسباب كثيرة، أولها كما ذكر سابقاً وهو تعميد العهد بما هو أبعد من الانتخابات وصولاً إلى النفط، الكهرباء، الاتصالات، والإعمار، وثانيها هو اعتبار المستقبل أن التحالف مع التيار سيوفر له عدداً من المقاعد في دوائر متعددة لن توفرها له القوات. ففي دائرة الشمال الأساسية، أي بشري- زغرتا- الكورة- البترون، حيث للمستقبل قوة انتخابية مرجّحة، فإذا ما صبّت لمصلحة الوطني الحر، يعني أن اللائحة ستحصل على حدّ أدنى ثلاثة نواب مع احتمال ارتفاع هذا العدد. والتحالف في هذه الدائرة سيكون رافداً أساسياً للتحالف في دائرة أكثر أهمية بالنسبة إلى المستقبل، هي عكار التي يريد الحصول فيها على أصوات العونيين حيث سيستطيع التياران معاً إيصال خمسة نواب بالحد الأدنى، مع احتمال ارتفاع هذا العدد. وهذا ما سيسري على لبنان كله، خصوصاً في زحلة التي يطمح فيها العونيون والمستقبليون إلى كسحها وقلب النتيجة 180 درجة استناداً إلى التحالف مع الكتلة الشعبية.