كتب انطوان فرح في صحيفة "الجمهورية": اذا كان لبنان قد دخل فعلاً نادي الدول المنتجة للنفط والغاز، وهذا الامر لن يتأكد قبل العام 2022، موعد انتهاء فترة الاستكشاف، فهل يعني ذلك بداية النهاية للأزمة المالية والاقتصادية التي ازدادت تعقيدا في الفترة الأخيرة، الى حد بدء الحديث الجدي عن اقتراب موعد الافلاس.
مع توقيع لبنان عقود التلزيم للتنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما من البلوكين 4 و9، يمكن القول ان ملف الثروة النفطية الذي ظل عالقاً لسنوات بلا توضيح الاسباب الحقيقية لهذا التجميد، قد وضع على السكة، واذا استمر هذا المسار في التقدّم بلا معوقات، واذا تبين بعد انتهاء فترة الاستكشافات في العام 2022 ان هناك كميات من الغاز التجاري للاستخراج والبيع، سيتمكن البلد من بدء الانتاج وكسب الاموال العائدة الى هذه الثروة بين ابتدءاً منالعام 2028.
ومن دون التقليل من أهمية الخطوة التي أُنجزت، ومن الجهد الذي بُذل من قبل وزارة الطاقة والمياه للوصول الى اتفاقات عادلة بالنسبة الى حصة الدولة من المكتسبات الجانبية التي ترافق استخراج الغاز والنفط، على اعتبار ان الحصة المالية غير خاضعة للتفاوض، لا بد من القول بتجرّد، ان الوصول يوماً الى استخراج الغاز، لن يكون هو الحل للأزمة المالية والاقتصادية، لأن المشكلة الاساسية تكمن في معالجة الاسباب، والتي لا تتعلق حصراً بزيادة المداخيل بعد 11 عاما من الان.
ولئلا يبدو الكلام في غير موقعه، وكأنه يعاكس تيار التفاؤل الذي ساد في البلد نتيجة موافقة مجلس الوزراء على عرضي كونسورتيوم الشركات العالمية الثلاث، لا بد من التذكير بالوقائع التالية:
اولا: ان اول دولار سيدخل الخزينة في حال مضت الامور بشكل طبيعي وبلا معوقات، لن يكون قبل 10 أو 11 سنة.
ثانيا: ان التوقعات الاكثر ايجابية في تخمين حجم الثروة، لا يشير الى ان انتاج لبنان من الغاز والنفط، وبعد تلزيم كل البلوكات القائمة، سيتجاوز حجمه السنوي الـ20 في المئة من حجم الاقتصاد، وفق الارقام الحالية، المتعلقة بالناتج المحلي، واسعار النفط.
ثالثا: ان التجارب في الدول التي سبقت لبنان الى انتاج النفط، وهي تتجاوزه بأشواط من حيث حجم هذه الثروة، يمكن ان تتراوح بين الازدهار المذهل، كما هي الحال في النرويج، او تصل الى حد الافلاس والانهيار التام، كما هي الحال في فنزويللا.
وعلى سبيل التذكير، تملك فنزويللا اكبر احتياطي نفطي في العالم، وقد تقدمت على السعودية التي تأتي في المرتبة الثانية. وتصدّر فنزويللا حاليا حوالي 2.27 مليون برميل في اليوم. وتبلغ أرباحها السنوية من تجارة النفط ما يقارب الـ48 مليار دولار، في حين وصل هذا الرقم الى اكثر من 75 مليار دولار في فترة الذروة في الاسعار قبل العام 2015. ويشكل مدخول النفط حوالي 25 في المئة من ناتجها المحلي.
في مقابل هذه الحقائق، يبلغ حجم الدين العام في فنزويللا حاليا حوالي 155 مليار دولار. وقد وصلت الدولة الى حافة الافلاس الرسمي. ووصل التضخّم الى حوالي 700 في المئة. والثروة النفطية مرهونة بالقسم الاكبر منها لسنوات طويلة في المستقبل للدائنين، وعلى رأسهم الصين وروسيا.
في لبنان، لن يكون مردود النفط في عصر ذروة الانتاج، أي ربما في العام 2035 اكثر من 8 الى 10 مليارات دولار سنويا.
اذا أجرينا نوعا من المحاكاة للوضع الذي سيكون عليه الوضع المالي بعد 5 سنوات فقط، أي موعد انتهاء فترة الاستكشاف تمهيدا للاعلان اذا ما كان هناك غاز ونفط للاستخراج في البلوكين 4 و9، واذا اعتبرنا انه لن تكون هناك مفاجآت غير سارة، ولم نعتمد ايضا على احتمال حصول مفاجآت سارة، يتبين ان حجم الدين العام في سنة 2022 سيكون في حدود الـ120 مليار دولار.
واذا احتسبنا معدل اسعار الفوائد، كما هو اليوم، مع الاخذ في الاعتبار ارتفاع اسعار الفوائد محليا وعالميا، سيكون حجم الفوائد التي سيدفعها لبنان على ديونه حوالي 8 مليار دولار سنويا.
وماذا اذا احتسبنا كيف سيكون الوضع في العام 2028، الموعد التقريبي لبدء حصول الخزينة على ايرادات مالية من النفط. في تلك الحقبة، ستكون فوائد الدين العام وصلت الى حوالي 13 أو 14 مليار دولار سنوياً.
في المقابل، تبرز التجربة النرويجية التي اعتمدت على استراتيجية سمحت لها بجمع الف مليار دولار في صندوقها السيادي العائد لايرادات النفط. وهي اعتمدت استراتيجية الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
لكن المقارنات في الاسراتيجيات غير واقعية، ولا تنفع لتصوير الحقائق. الفرق بين النرويج وفنزويللا هو امر وحيد: النرويج دولة شفافة ومحترمة لا يسرق المسؤولون اموالها، ولا يهدرون المال العام، وفي فنزويللا يسرق الحكام الدولة، ويقامرون بمصيرها.
وهذا ما حول فنزويللا الى دولة يهاجم فيها شعبها حديقة الحيوانات البرية ليقتل ما تيسر من تلك الحيوانات ليأكل لحمها بسبب الجوع المنتشر في البلد، فيما تعاني النرويج من ضغط طلب الهجرة اليها، للتنعّم بمستوى مدخول غير موجود في اوروبا. وللمصادفة تعاني النرويج حاليا من موجة «نزوح» مرتفعة من قبل السويديين في اتجاهها، تماما كما يعاني لبنان من موجة نزوح السوريين!
سابقاً كان يقول البعض ان على اللبنانيين ان يختاروا ماذا يريدون؟ هل يريدون ان يكون بلدهم هونغ كونغ أو هانوي، في اشارة الى الفارق بين الانفتاح والازدهار المالي والاقتصادي، وبين المجتمع المقاوم المحارب بشكل دائم. واليوم، هناك سؤال آخر مطروح: على لبنان المنتج للنفط، ان يختار، هل يريد اتباع نموذج أوسلو أم كراكاس؟