اشار البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي الى انه "لا يسعنا ونحن على الحدود الجنوبية إلّا أن نذكر بصلاتنا القدس المدينة المقدسة التي على أرضها تمّ عمل الفداء: من ميلاد ابن الله إنسانًا، إلى إعلانه ملكوت الله والدخول إليه بالتوبة والولادة الجديدة، فإلى صلبه وقيامته لفداء الجنس البشري وخلاصه، وإلى تأسيس كنيسته وتثبيتها بحلول الروح القدس، وإرسالها على هديه لتعلن إنجيله، إنجيل المحبّة والأخوة والسلام، وجعلها أداة الخلاص الشامل. القدس مدينة مقدّسة أيضًا للديانتَين اليهوديّة والإسلام. فيها مدعوّون، بتدبير إلهي، ليعيش معًا بسلام جميع المؤمنين بالله من الديانات الثلاث، ويبنوا في العالم سلام الله. فلا يمكن القبول بتهويد القدس، كما يرمي إليه قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أصدره في 6 كانون الاوّل الجاري، وأعلن فيه القدس عاصمة لإسرائيل، وأمر بنقل السفارة الأميركية إليها من تل أبيب. فمن الضرورة التمسّك بموقف الكرسي الرسولي وهو أن "يكون للقدس وضع دولي خاصّ يحمي جميع الأماكن المقدّسة التابعة لكلّ من الديانات الثلاث، وأن تكون القدس رمزًا عالميًا للأخوّة والسلام، مبنيًّا على سلام مستقرّ فيها".
اضاف الراعي في عظته في رميش خلال تدشين مذبح كنيسة التجلي، "لقد أظهر تاريخ القدس البعيد والقريب أنّه لا يمكن لأيّ شعب أو دين أو دولة أن يحتكرها، بالرغم ممّا شهدت من حروب واحتلالات. فعلى مدى تاريخها القديم والحديث والمعاصر هوجمت 52 مرّة، وتمّ الاستيلاء عليها وإعادة تحريرها 44 مرّة، وحوصرت 23 مرّة، ودُمِّرت مرّتَين. وعلى هذه الأرض الفلسطينيّة توالى الكنعانيّون فاليهود فالرومان الوثنيّون فالمسيحيّون فالمسلمون فالصليبيّون فالأيوبيّون فالمغول فالمماليك فالعثمانيون فالبريطانيّون إلى أن وافقت الجمعيّة العموميّة في 29 تشرين الثاني 1947 على مشروع تقسيم فلسطين إلى دولتَين: دولة إسرائيليّة ودولة عربيّة، على أن تبقى القدس تحت إدارة دوليّة "كجسم مستقلّ". ونشبت الحرب بين اليهود والعرب، وكانت نكبة 1948 وتهجير الفلسطينيّين، أهل الأرض؛ وأُعلنت دولة إسرائيل. وانقسمت القدس غربيّة إسرائيليّة وشرقيّة عربيّة. وفي 23 كانون الثاني 1950 قرّر الكنيست أن تكون القدس عاصمة لإسرائيل، فنقض مجلس الأمن هذا القرار في قراره رقم 478 وأعلنه باطلًا. وفي سنة 1967 بعد حرب الأيام الستّة احتلّ اليهود القدس الشرقيّة التي فيها معظم الأماكن المقدّسة للمسيحيّة والإسلام (راجع التفاصيل في مقال للمطران كيرلّس سليم بستروس: "لمَن القدس؟" في جريدة النهار 18 كانون الأوّل 2017، السنة 285، العدد 26442). هكذا تعيش القدس اجواء الخطر والحرب والتمير فيما يجب ان تكون ارض السلام.
واعتبر ان الشَّرق الأوسط لن يعرف السلام ما لم تجد الشرعيّة الدوليّة حلًّا عادلًا ودائمًا وشاملًا للقضيّة الفلسطينيّة، يضمن للشعب الفلسطيني حقّه المشروع بأن تكون له دولته الخاصّة على الأرض التي عاش فيها طوال قرون، وسقاها بعرق جبينه، ورواها بدماء شهدائه.