دعت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات الجمعة المجتمع الدولي إلى التصدي “بقوة أكبر” لنشاطات إيران في المنطقة بعد الاتهام الأميركي لطهران بصناعة صاروخ أطلقه المتمردون اليمنيون باتجاه الرياض.
وطالبت السعودية في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية السعودية المجتمع الدولي بضرورة اتخاذ إجراءات فورية لمحاسبة النظام الإيراني على أعماله العدوانية، فيما رأت دولة الإمارات من جهتها أن على المجتمع الدولي التصدي بقوة أكبر للتهديد الذي تشكله إيران، متهمة طهران بانتهاج سلوك توسعي ومزعزع للاستقرار وبتأجيج نيران العنف الطائفي في الشرق الأوسط.
وجددت البحرين اتهام إيران بالتدخل في شؤون دول المنطقة ومساندة الإرهاب وتأسيس جماعات إرهابية، وهي اتهامات ثبت بالحجة والدلائل تورط إيران فيها.
وفضلا عن ثبوت تورط إيران في تهريب الصواريخ التي قام الحوثيون بإطلاقها على السعودية، بدأت إيران أيضا في توجيه إشارات تفيد بأنها قادرة على تحريك الميليشيات التابعة لها لتهديد أمن ومصالح دول المنطقة والقوى الدولية الحليفة لها، وهو تهديد بدأ يستقطب دعما دوليا لردعه.
ومن وجهة أخرى دعا الخبير في الشأن الإيراني كريم سجادبور إلى ضرورة أن تتناول أية استراتيجية لمواجهة إيران الأعراض والأسباب. ويقدم سجادبور، في دراسة نشرها معهد هوفر، مجموعة من النقاط مستمدة من دروس الحرب الباردة يمكن توظيفها في بلورة الاستراتيجية المطلوبة.
استراتيجيات الردع
يقول جون لويس قديس، المؤرخ بجامعة ييل في الولايات المتحدة، في كتابه “استراتيجيات الاحتواء” إن خطة احتواء الولايات المتحدة للاتحاد السوفييتي نجحت بالفعل بعد أن ارتكزت على ثلاثة عناصر:
* استعادة توازن القوى بعد أن اختل بسبب هزيمة ألمانيا واليابان تزامنا مع توسع النفوذ السوفييتي في أوروبا وآسيا
* تقسيم الحركة الشيوعية العالمية
* إقناع القادة الروس بتعزيز مصالحهم من خلال تعلم التعايش مع تعددية العالم بدلاً من محاولة إعادة تشكيل العالم وفقا لتصورهم.
وفي الوقت الذي تعتبر فيه إيران خصما أقل بكثير من الاتحاد السوفييتي، فإن اعتماد استراتيجية مشابهة سيساعد كثيرا في مواجهة إيران والتصدي لها وذلك من خلال:
* بناء وحدة دولية وقدرة إقليمية تستطيعان التصدي للأعمال الإيرانية
* إحباط مشروع النفوذ الإيراني
* إجبار النظام الإيراني على إعطاء الأولوية للمصالح الداخلية على حساب الأيديولوجيا الثورية. و تتطلب مواجهة طموحات إيران القدرة والعزيمة، حسب كريم سجادبور الذي يضيف موضحا أن القوى العظمى تتمتع بقدرة مالية وسياسية هائلة للضغط على إيران ولكنها تفتقر إلى العزيمة. وعلى النقيض من ذلك تتحلى الدول العربية بالعزيمة في مواجهتها للنفوذ الإيراني ولكنها تفتقر من الناحية الأخرى إلى القدرة على التصدي لهذه الطموحات أو ردعها.
وفي حين أن بناء القدرة بين دول منطقة الشرق الأوسط سيستمر على مدى أجيال قادمة، فإن وجود القيادة الأميركية ضروري لإقناع القوى العالمية بأن دعم طهران للميليشيات الإقليمية ودورها في الحرب السورية من شأنه أن يولد عدم الاستقرار الإقليمي والتطرف.
وبدلا من تسليط الضوء على مشكلات السياسات الإقليمية التي تنتهجها إيران، ركزت إدارة ترامب على جانب آخر يُعتقد من قبل دول العالم أن إيران تقوم به على نحو صحيح؛ وهو التزامها بالاتفاق النووي. وفي محكمة الرأي العام الدولي، أدى ذلك إلى عزل واشنطن أكثر من طهران.
إحباط مشروع النفوذ الإيراني
يتسم الفكر الشيعي الثوري في طهران بالمحدودية مقارنة بالحركة الشيوعية العالمية. ففي الوقت الذي لم تستطع فيه إيران نشر هذا الفكر على مستوى دولي، قامت بإلهاب حالة من الحماس الأيديولوجي.
ويبدو أن بعض وكلاء إيران -حزب الله وبعض عناصر قوات الحشد الشعبي العراقية- ملتزمون التزاما عميقا بالأيديولوجيا الثورية الإيرانية. لكن البعض الآخر -بما في ذلك الأفغان في سوريا- يبدو أكثر ميلا إلى المنفعة الاقتصادية.
وتمتلك الرياض الموارد والأدوات، إذا ما اختارت، لتقويض إيران في اليمن من خلال عقد شراكة مالية مع الحوثيين. ويرى كريم سجادبور أن ذلك سيكون على المدى الطويل أكبر حصن يمكن للهوية القومية والعربية بناؤه لصد النفوذ الإيراني في العراق واليمن، وكذلك في لبنان وسوريا.
غير أن وجهات النظر العربية تختلف في تقييم “الحالة” الإيرانية بين من يعتبرها ضريبة جغرافية وجب التعامل معها أيا كان شكل النظام الحاكم وبين من يعتبرها حالة خطرة مهددة للنظام السياسي العربي، لا سيما في منطقة الخليج، كما للطبيعة الثقافية الهوياتية للمنطقة.
وتعتقد بعض وجهات النظر أن النظام الديني في إيران لم يكن ليقوم لولا موافقة المعسكر الغربي في إطار الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي، وأن النظام الإيراني في نسخته الحالية لم يكن ليبقى لولا إهمال المعسكر الغربي نفسه الطبيعة العدوانية لإيران وفق عقيدة الولي الفقيه.
في المقابل، تذهب بعض الآراء العربية إلى التشكيك في عداوة هذا الغرب لإيران كون هذه الأخيرة لا تشكل خطرا وجوديا على منوال ذلك الذي كان يشكله الاتحاد السوفييتي قبل انهياره. وتعتبر هذه الآراء أن تعامل الولايات المتحدة مع إيران على الرغم من مسؤولية طهران في إنزال خسائر مباشرة بالأميركيين (تفجير ثكنة المارينز في بيروت عام 1983 مثالا)، بقي دون المستوى المطلوب وذهب في عهد أوباما إلى درجة المراعاة والمحاباة، في حين ما زالت السياسة المعتمدة من قبل إدارة ترامب محشورة في مرحلة النوايا ولم يتسن لها الوقت للانتقال إلى مرحلة التنفيذ.
لكن بالإمكان في هذا المضمار أن تكون النواة العربية الصلبة بزعامة السعودية التي تقود مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة رديفا لاستراتيجية أميركية غربية في هذا الصدد وتكون فاعلا حقيقيا تندفع العواصم الغربية وعلى رأسها واشنطن لرفده والتموضع حوله كأمر واقع جديد يفرض نفسه مقابل الأمر الواقع الإيراني المفروض على المنطقة والعالم منذ عام 1979.