تحت عنوان "جمود في القطاع التجاري وتراجع نسبة الحركة 30 % رغم الأعياد" كتب جوزف فرح في صحيفة "الديار": "التجار يئنون في مختلف المناطق اللبنانية من تراجع الحركة التجارية في موسم الاعياد التي تشكل 30 في المئة من الحركة التجارية العامة خلال السنة، حتى ان التشاؤم بلغ ذروته عند رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس الذي اعتبر ان الشعور لدى التجار في الاسواق بأنهم في الجمعة العظيمة وليس بميلاد المسيح.
وعلى الرغم من العروضات السخية التي يقدّمها القطاع التجاري والذي لم يعتَدها خلال موسم الاعياد من اوكازيونات وتنزيلات تصل الى 80 في المئة وتصفيات لجذب المشتري فان الحركة تراجعت بنسبة 20 في المئة عن السنة الماضية رغم الانتظام المؤسساتي والاستقرار الامني بحجة ضعف القوة الشرائية لدى هؤلاء المواطنين والضرائب التي فرضت عليهم في تشرين الاول الماضي من اجل اقرار سلسلة الرتب والرواتب في القطاع العام، وشملت مختلف جوانب الحياة الاقتصادية في الاستهلاك والاستثمار والتصدير والاستيراد والتوظيفات والمعاملات الخ... فأصبحت الضريبة على ارباح المؤسسات "التعيسة" اذا صودف وجودها تبلغ 25.3 في المئة منها 17 في المئة بالاضافة الى 10 في المئة على توزيع الارباح.
ومما زاد الطين بلة، حسب قول شماس ان الضربة الثانية التي تلقاها القطاع التجاري تمثلت في استقالة الرئيس سعد الحريري المدوية والتي استمرت ازمتها شهراً كاملاً، مما قضى نهائياً على انتاجية شهر تشرين الثاني التجارية والذي كان الاسوأ ربما منذ 50 سنة.
ويعتبر شماس انه من القائلين ان الاقتصاد الوطني يجب ان يتوجه نحو المزيد من الانتاج والابتكار والتصدير، لكن في الانتظار يجب تغذية الاستهلاك من الداخل والخارج كأن يعود المغتربون بإلحاح في المناسبات الى لبنان، وان يكف اللبنانيون عن التبضع في المتاجر غير اللبنانية وغير الشرعية وان يقوموا بسد العجز الاكبر وتأمين احتياجاتهم من لبنان وليس من الخارج.
وما لم يعِ المواطنين كافة انعكاسات الانهيار التجاري القادم لا محالة سيتشلع الاقتصاد الوطني برمته نظراً للمكانة المحورية التي يتمتع بها القطاع التجاري منه.
وحسب مؤسسة "غلوبال بلو" وهي مؤسسة تهتم بموضوع استرداد الضريبة على القيمة المضافة من السياح والكماليات والسلع والمشتريات فان التراجع كان 10 في المئة هذه السنة و10 في المئة في العام 2016. كما انخفضت مبيعات القطاع التجاري في النصف الاول من العام الحالي 30 في المئة كنسبة وسطية مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.
كل التجار يعرفون ان هذه كارثة لانهم لم يتمكنوا من تكوين الحد الادنى من الاحتياطي المالي الاستراتيجي لمواجهة الاستحقاقات خلال العام الجديد.
من هنا سنشهد المزيد من النزف في القطاع التجاري من خلال تعثرات وافلاسات وتراكم الديون الظاهرة منها او المستترة ضمن حلقات السلسلة التجارية الواحدة وكلها عوامل تهدد الاقتصاد برمته بما ان الاستهلاك يمثل 80 في المئة من الناتج القائم في لبنان".
ما يعانيه القطاع التجاري انه تحول الى ظاهرة مرضية تؤكد حالة الهلع التي تصيب التجار الذين يضطرون الى تقديم التنزيلات القوية في خضم الاعياد من اجل جذب المتسوقين، وبهذا الفعل، كما يقول شماس، يأكلون من اللحم الحي ويضحون بما تبقى من هوامش تجارية فقط لتسييل المخزون لديهم.
وقد اصبح شماس «حلال المشاكل» في حلحلة هذه المشاكل التي تواجه التجار في بيروت من خلال التعاطي اليومي بين المصارف والتجار في ظل تراكم ديونهم للحصول على مزيد من المرونة من قبل المصرف باتجاه التجار المقترضين.
كان التجار يأملون بانعاشة ملحوظة مع الانتظام المؤسساتي وعودة الحياة الى الدورة السياسية والقضاء على الارهاب من خلال عملية فجر الجرود الذي وضع لبنان في مصاف الدول الآمنة، الا ان النصف الثاني حمل الكثير من الضربات القاصمة للاقتصاد الوطني ومنها القطاع التجاري.
ويعترف التجار بوجود ازمة «سيولة» لدى المواطنين الذين يأتون الى المتاجر للفرجة وليس للشراء خصوصاً مع الرزمة الكاملة والمتكاملة من الضرائب والرسوم، في مقابل الولايات المتحدة الاميركية التي اقرّ الكونغرس الاميركي مؤخراً قانوناً لتخفيض الضرائب على الشركات من 35 الى 21 في المئة وهذا ان دل على شيء فانه يدل على ان لبنان ذاهب الى الحج والحجاج عائدون.
والمحصلة اليوم ان الوضع المؤسساتي والسياسي اعيد تحصينه من خلال التسوية المتجددة التي هندسها رئيس الجمهورية، اما الوضع الخارجي فتبين ان لبنان عاد بقوة الى الاسرة الدولية من خلال مواقفه المتقدمة للقضايا الاقليمية والدولية اما الآن فهو ممسوك وهذا انجاز موصوف في خضم البركان الاقليمي، بينما السياسية النقدية تحصن لبنان من المطبات المفاجئة.
يبقى اذن الاقتصاد وهو الرجل المريض بامتياز ويستصرخ اهتمام المسؤولين خلال العام 2018، لان مفاعيل انطلاقة لبنان او دخول لبنان الى النادي النفطي والغازي لن تتبلور قبل ثلاث سنوات على الاقل، بينما ينبغي اغاثة الاقتصاد الوطني اليوم وليس غداً، وعلى رأسه القطاع التجاري.
في المحصلة يؤكد التجار في مختلف المناطق اللبنانية ان التعثر الحاصل في القطاع التجاري يعود الى الاسباب الآتية :
1- عدم وجود سيولة لدى المشترين وضعف القدرة الشرائية لديهم.
2- الضرائب التي وضعت مؤخراً وأثرت في الاوضاع الاقتصادية وخصوصا التجارية منها.
3- اطلاق «البلاد فراي داي» قبل موسم الاعياد والذي قضى على أمل التجار في امكانية تحسين مبيعاتهم.
4- الاوضاع السياسية المتأزمة والتي اثرت في القطاع بحيث بات المواطن يفضل ابقاء القرش الابيض لليوم الاسود والتركيز على سلع المأكولات دون السلع الكمالية والالبسة وغيرها.
5- الديون المتراكمة على التجار بحيث ان اغلبيتهم لم تتمكن من تجديد وضعها التجاري.
كل هذه العوامل تؤدي الى ترديد هؤلاء التجار القول: عيد بأية حال عدت يا عيد.