أنهت مع زوجها زيارة الى منزل أهلها على طريق عام البداوي، قبل ان تعود الى وادي الجاموس لتناول العشاء في بيت اهل زوجها، لتنتقل بعدها الى منزلها الزوجي في البلدة نفسها. دخلت الى غرفة نومها، من دون ان ترقد على السرير، بل سقطت  مضرجة بدمائها بعد أن اصيبت بطلق ناري في رقبتها، فارقت على إثره الحياة. هي العروس القاصر نظيرة عمر طرطوسي الذي يصادف يوم أمس ذكرى ميلادها الخامس عشر مع تشييع جثمانها الى مثواه الأخير. 

التحقيق الأولي

 "الأدلة الأولية تشير الى أن نظيرة وضعت حداَ لحياتها بخرطوشة من بارودة صيد"، بحسب ما قاله مصدرٌ في قوى الأمن الداخلي لـ"النهار"، شارحاً "فتح مخفر العبدة تحقيقا في القضية، أوقف زوج الضحية عبد الحي السيور، الذي أكد انه كان في غرفة الجلوس عندما سمع طلقاً نارياً في الغرفة المجاورة، سارع إلى معرفة ما يدور، فصدم بعروسه منتحرة". وأضاف "استناداً الى تقرير الطبيب الشرعي والأدلة الجنائية يمكن القول ان الحادث مبدئياً وبنسبة 90 في المئة عملية انتحار، لكن الملف لم يختم بعد، وحوّل مع الموقوف الى التحري لمتابعة التحقيق". وعلى عكس ما اشيع، اكد المصدر ان " المخفر لم يستمع الى افادة والدة نظيرة".

اكتئاب بعد الإجهاض

" قبل ستة اشهر ارتبطت نظيرة بعبد الحي بعد قصة حب جمعت بينهما"، قال محمد السيور شقيق الأخير راوياً "تعرف أخي إلى زوجته نتيجة عمله في معرض البيك اب الذي يمتلكه والمجاور لمنزلها، ارتبط بها، كانت الأمور تسير على ما يرام، عمّ التفاهم منزلهما، لكن قبل شهر ونتيجة لإجهاض نظيرة جنينها الذي حملت به شهرين حزنت كثيراً، أطلعت والدتها على مدى تأثرها بخسارتها، لتدخل بعدها في حالة اكتئاب، اختفت الضحكة عن وجهها، بدت هادئة قليلة الكلام تسرح كثيراً في فكرها على عكس عادتها، وفي الأمس كانت في منزلنا، تناولنا واياها وجبة العشاء، كانت طبيعية قبل ان تنتقل الى بيتها ويصلنا خبر انتحارها".

صدمة للجميع

صدم أهالي وادي الجاموس بخبر موت نظيرة. وبحسب ما قاله مختار البلدة راشد السيد لـ"النهار": "لا خلفيات لما حدث، فالمقربون من العائلة يعلمون ان لا مشاكل بين الزوجين، لاسيما وان عبد الحي معروف بهدوئه وحبه لنظيرة، وعلى الرغم من انه شاب عشريني الا انه ميسور الحال، اذ يعمل مع والده في تجارة البيك اب، وقد تمكن من بناء فيلا لزوجته وتأمين كل تطلبه". وأضاف "تفاجأنا بخبر موت نظيرة بهذه الطريقة، نسأل الله أن يرحمها ويسكنها فسيح جناته".

علامات استفهام

جمعية "كفى" تتابع القضية. وبحسب ما قالته المحامية ليلى عواضة لـ"النهار": " زواج القاصرات وان لم يؤدِّ الى قتل الفتاة جسدياً فهو يؤدي الى قتلها معنوياً".

 ولفتت " نلاحظ التسرع عند وجود ضحية بالقول انها رحلت في حادث انتحار، وكأننا نساعد ونشارك إن كان هناك مرتكب لجريمة في السيناريو الذي يعدّه، وبما ان قضية نظيرة حصلت في الامس، والادلة الجنائية لم تنتهِ من عملها، والتحقيق لم يبدأ بعد في التحري، لماذا يشير البعض الى انتحارها".

 وطرحت علامات استفهام عدة "لماذا في ملفات موت الفتيات القاصرات تكون النتيجة انتحارهن؟ وأسأل هل فعلاً نكون امام حادثة انتحار أم يخرّج الملف على انه كذلك؟".

 وعما اذا تواصلت الجمعية مع اهل نظيرة، أجابت "نحاول ذلك لاسيما بعد ان سمعنا ان والدتها قالت ان الفتاة أطلعتها على انها غير مرتاحة وتريد قتل نفسها، لكن هذا التعبير ليس بالضرورة ان يكون دليلاً على انتحارها".

من يتحمل المسؤولية؟

"زواج القاصرات انتهاك لحقوقهن في اختيار شريك حياتهن. وثانيا انتهاك لكامل حقوقهن الصحية والنفسية وحقهن بالتعليم وفرص عمل لائقة"، بحسب ما قالته مديرة منظمة "ابعاد" غيدا عناني لـ"النهار"، وفي رأيها "حتى لو أرادت الفتاة القاصر الاقدام على هذه الخطوة يجب على الأهل منعها، فالأطفال يرغبون بالكثير من الأمور، ومن واجب أهلهم تأمين الرعاية والتوجيه لهم وعليهم منعهم من ارتكاب أمور فيها ضرر لمصالحهم، فالمسؤولية تقع على الكبير وليس الصغير".

زواج القاصر يجعلها أكثر عرضة كما قالت عناني "للعنف الزوجي والإساءة الأسرية لعدم جهوزيتها النفسية والاجتماعية والمادية لكي تكون متمكنة من ادارة حياتها وشؤون المنزل والمشاركة في المجتمع، بالتالي الزواج قبل 18 سنة هو تجهيز مجتمع هش واشخاص غير فاعلين كما يجب".

 واشارت الى ان "العمل على هذا الملف شائك كونه متعدد الأفق، يشمل العمل اولا على تمكين الفتيات في التعرف إلى خياراتهن وحقوقهن كي يكون لديهن وعي كامل حول الموضوع، كما نعمل مع الأهل الذين يقع عليهم الدور الأساسي لاسيما الام، إن كان من خلال تحفيزها او السماح لابنتها بالزواج المبكر، واضافة الى ذلك نعمل على الجانب القانوني لمواءمة القوانين المحلية مع اتفاقيات لبنان الدولية كاتفاقية حقوق الطفل مع التشديد على ضرورة أن تؤخذ القوانين المحلية بعين الاعتبار تجريم الزواج قبل سن الرشد القانوني".

طريق الانتحار

"الزواج كمفهوم يقوم على وجود شريكين يتبادلان الحب والاحترام والمسؤوليات الزوجية وتأمين الحاجات الاقتصادية التي تكفي الاسرة"، بحسب ما قالته اخصائية علم النفس هيفاء السيّد لـ"النهار" قبل ان تشرح ان " الزواج المبكر له أضرار كثيرة منها فقدان الاستقرار المادي وتحقيق الاحلام التي كانت ترسمها الزوجة في خيالها، وهنا تحدث الهوة وتتأزم المشكلة، ومن اهم اضراره حرمان الزوجين من ان يعيشا عمريهما الطبيعيين مع اقرانهما باللعب والمرح والتعليم، والمشكلة تكمن في عدم القدرة لدى كلاهما بتحمل المسؤولية والنظرة المشرقة للمستقبل وفقدان النضج الكافي مما يترك آثاره لاحقاً بالندم والتأثير السلبي عليهما ،يظهر على شكل اضطرابات نفسية تنتهي بالطلاق وتشتت الأسرة ومعاناتها النفسية والاجتماعية القاسية، ما يؤدي الى مرارة نفسية وظهور طابع الحزن والضيق واليأس وتعكر المزاج وكثرة السرحان ومحاولة ايذاء النفس والجسد وتمني الموت والوصول الى الانتحار".

 

عدوان على الذات

اما أسباب الانتحار فيعود بعضها الى "وجود اكتئاب حاد لدى الفتاة القاصر والاحساس بالضيق الشديد، وبأن الحياة لا معنى لها. وقد فسره علماء النفس انه عدوان داخلي مرتد على الذات بدلاً من تصريفه الى الخارج بسبب انعدام الروابط العاطفية والشعور بفقدان السند وعدم وجود امل في المستقبل يرافقه ألم نفسي غير محتمل، والايمان ان هذا الوضع السيئ لن يتغير أبداً". قالت السيّد قبل ان تضيف "كما يوجد اسباب بيولوجية نتيجة خلل في توازن الناقلات العصبية المسؤولة عن افراز السيروتونين".

 وللوقاية من ذلك يجب "تقديم الدعم من الاسرة والاصدقاء المحببين لدى القاصر والاستماع الى افكارها الانتحارية وأخذها على محمل الجد، والاستعانة بطبيب نفسي خاصة اذا تواترت لديها اعراض الحزن والافكار المتكررة عن الموت ونوبات البكاء ".

اذا كانت الدلائل حتى الساعة تشير الى انتحار نظيرة، فإن الجميع بانتظار نتائج التحقيق لمعرفة ان كانت فعلا قد اقدمت على هذه الخطوة او ان القضية لها ابعاد أخرى!