قبل الوصول الى بيروت كانت شائعة بُثت عبر وسائل الإعلام عن توجّه ريفي الى المملكة العربية السعودية للقاء الحريري والمصالحة معه برعاية الملك سلمان بن عبد العزيز، أما الحقيقة فكانت في مكان آخر.
عرف ريفي بالاستقالة في مطار بيروت فكان اوّل ما فعله، الإيعاز للمناصرين بالتعاطي بمسؤولية، وعدم فتح الباب امام أيّ تشنّج على مواقع التواصل، لا بل طلب التعاطي بإيجابية مع الاستقالة واعتبارها خطوةً في الاتّجاه الصحيح، واختار في الليلة نفسها الظهور عبر قناة «العربية»، مشيداً للمرة الاولى منذ وقوع الخلاف مع الحريري، بالاستقالة، ومتعمِّداً اظهار الايجابية، للتحضير لما هو أبعد، في حال سارت الامور كما يجب.
لم ينتظر الاستماع الى نصائح بضرورة الإعلان عن انتهاء الخلاف السياسي مع الحريري، وكانت الخطوة التالية متوقّعة في أيّ لحظة، لكنّ كلامه عبر قناة «العربية» لاقى ثناءً سعودياً وتشجيعاً على طيّ صفحة الخلاف الى الابد.
واكب ريفي الايام التي تلت الاستقالة بالإيجابية نفسها، واطلق موقفاً متقدّماً من طرابلس تجاه الحريري، حيث قال: «نبارك خطوته، ونضع الكتف على الكتف»، ووضع المصالحة نصب عينيه، وكان ذلك عشية ظهور الحريري في مقابلته التلفزيونية من الرياض.
وكان ريفي الذي وجد في الاستقالة «فرصة لتصحيح الخلل الكبير» الذي انتجته التسوية الرئاسية، لاحظ اتّجاهاً لدى «حزب الله»، للتعامل مع الاستقالة كأنها لم تكن، والتركيز على أنّ الحريري مختطف في الرياض، وتأكّد الجميع من هذا المنحى عندما امتنع الرئيس ميشال عون عن قبول الاستقالة، وتحديد موعد للاستشارات، فأعلن موقفاً استهجنه الخصوم والحلفاء، داعياً عون الى تحديد موعد للاستشارات وقبول الاستقالة، وفي ذهنه أمرين: الاول مرتبط بالإعتداء على صلاحيات رئيس الحكومة الذي يستطيع اعلان استقالته من أيّ مكان دون أن يقدّمها خطياً.
والثاني أنّ «حزب الله» وحلفاءه الذين صدموا بسحب ورقة الحكومة من أيديهم، أرادوا عودة الامور الى ما كانت عليه قبل 4 تشرين الثاني، من دون أن يُضطروا الى تقديم أيِّ تنازل في ما يتعلّق بسلاح «حزب الله» ببعدَيه الداخلي والإقليمي، وهذا ما حصل لاحقاً بعد التريّث والعودة عن الاستقالة.
عندما اتّهم البعض ريفي بالاستعجال لوراثة الحريري في السراي، ضحك وقال: «أيُّ عاقل سيصدّق أنّ موقفي سببه أني اريد ان أكون رئيساً للحكومة، لقد استقلت من وزارة العدل تاركاً السلطة ورميتُها عندما عاينت تمدّد نفوذ «حزب الله»، وقبل وزارة العدل وضع «حزب الله» فيتو على توليَّ وزارة الداخلية ونجح للأسف، ومَن سيصدّق أنّ رئاسة الحكومة اليوم ممكنة في ظل التوازنات الحالية؟».
لم يبدِ ريفي ارتياحاً الى ما قاله الحريري في المقابلة التلفزيونية. قرأ ملامحَ عودة عن الاستقالة بلا ثمن. اما بالنسبة الى أداء فريق الحريري في بيروت فالمؤشرات كانت توحي بخواتيم القصة المؤسفة. لم يتردّد هذا الفريق في ملاقاة «حزب الله» في تأكيد أنّ الحريري مختطف. لاحظ أنّ هؤلاء فتحوا معركة مبكرة مع مَن اتّهموهم لاحقاً بالخيانة، وفي الوقت عينه التصقوا بعون وأوكلوه أمرَ إنقاذ الحريري من براثن «خاطفيه».
في هذا السياق حصلت عملية نزع صور الامير محمد بن سلمان بعد ذريعة إحراق إحدى الصور، التي كوفئ من كلّف بها، وفي هذا السياق ايضاً، شُنّت على ريفي مجموعة من الشائعات التي طاولت عائلته، ونُشرت في مواقع يشرف عليها «حزب الله»، لتعود احدى الصحف القريبة من فريق الحريري الى نشرها في الصفحة الاولى، بما يشير الى التنسيق الواضح في الاستهداف.
لم يكن ريفي على علم مسبَق بالاستقالة، لكنه قال كلاماً واضحاً لمَن التقاهم مِن مسؤولين سعوديين، هو الكلام نفسه الذي قاله منذ اكثر من سنة والى اليوم، رفضاً لانتخاب عون. قال ريفي للسعوديين قبل انتخاب عون، «أنّ ادّعاء الحريري بأنّ عون سيكون رئيساً متوازناً في الوسط بينه وبين «حزب الله»، إدّعاءٌ معروفة نتائجه سلفاً، لأنّ عون انتُخب رئيساً بقوة «حزب الله»، وسيبقى على تحالفه معه، وسيغطّي سلاحه ومشروعه».
قد يكون مفيداً الآن كشف أنّ ريفي أوشك على اجراء اتّصال بالحريري وهو في الرياض، ذلك عندما قال إنّ «الكتف سيكون على الكتف»، وقد يكون مفيداً أنّ ريفي كان سيعلن حتماً أنّ الخلاف انتهى، وأنّ وحدة الصف عادت، لكنّ رياحاً كثيرة لعبت بأشرعة السفن، وبدا أنّ الحملة على ريفي من داخل البيت الحريري، زادت بعد أن أطلق موقفاً إيجابياً من استقالة الحريري، فروّج الفريق نفسه أنّ السعودية تحضّر لحصر الزعامة ببهاء الحريري، وأُلصقت بريفي تهم اضافية، علماً أنّ مصادر ثقة سعودية جزمت بأنّ هذه الفكرة لم تُطرح لا من قريب ولا من بعيد وأنّ استدعاء بعض فريق الحريري الى السعودية كان هدفه إفهامهم بضرورة وقف ما يقومون به من تواصل مع «حزب الله».
في انتظار أن يبقّ الحريري البحصة، يستعدّ ريفي للمرحلة المقبلة، بعدما سحب الكتف عن الكتف وابتعدت فرصة ثمينة «للعيش معاً». لا يأبه للتضييق الذي يمارس من اجهزة السلطة، ويستعد للمشاركة بقوة في الانتخابات النيابية، ولهذا يكثّف تواصله مع القوى المعارضة للتسوية، أما طبيعة التواصل التي تجري معه من مواقع قرار عربية ودولية فتشير الى أنّ مرحلة جديدة قد بدأت.