قلت في الحلقة الأولى كلا لا أؤمن بهذه الفكرة على إطلاقها .
قال الله تعالى :
{ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }
{ ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ }
{ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }
وقد روي عن النبي ص أنه قال { جئتكم بالشريعة السمحاء }
وقد روي عن الإمام علي (ع)
أنه قال { الحمد لله الذي شرع الإسلام فَسَهَّل شرائعه } .
على ضوء هذه النصوص نستطيع القول بأن الشريعة نفسها قد منحت المسلم نوعاً من أنواع التفويض أو النيابة أو التوكيل لكي يتجاوز بعض النصوص الدينية من دون الخروج عن مقاصدها وغاياتها وذلك لتحرير الإنسان والمجتمع من مشقات الحرج ومخاطرها ومن أزمات العسر ووطأتها الشديدة التي تسببها بعض أحكام الشريعة نتيجة الجمود على بعض النصوص الدينية والجمود يهدد مبادئ حقوق الإنسان ومصالحه الحيوية المباحة المشروعة إن لم نتجاوزها .
وحينما نتجاوز بعض نصوص الدين لن نتجاوزها إلا بالتناغم والتكامل مع روح العدل وقلب العدالة التي هي قدس الأقداس بنظر المرسل والرسل والرسالات .
وعلى سبيل المثال لا الحصر : هل بمقدور المسلمين اليوم أن يعيشوا أو يتعايشوا بعضهم مع بعض أو بينهم وبين الشعوب الأخرى في ظل مفاهيم عقائدية وفتاوى فقهية تتناسل من نصوص دينية تصنف البشر إلى مؤمن وملحد ؟!
إلى مسلم وكافر ؟!
وإلى مؤمن وفاسق ؟!
وإلى كافر كتابي وكافر غير كتابي ؟!
وإلى مسلم شيعي ومسلم سني ؟!
وإلى شيعي هاشمي وشيعي غير هاشمي ؟!
إقرأ أيضًا: الحلقة الأولى : حلال محمد (ص) ليس حلالا الى يوم القيامة !
وتقسم العالم إلى فسطاطين أو دارين إلى دار الإسلام ودار الكفر ؟ ! مع ما يترتب على هذا التصنيف وهذا التقسيم من أحكام شرعية وحقوق مالية ومعنوية خطيرة تنطوي على طعن فادح وفاضح بمفهوم العدالة الإنسانية .
في ظل هذه الفتاوى والأفكار التي تستند إلى نصوص دينية هل يمكن بهذه التصنيف والتقسيم أن تستقيم الحياة الإنسانية وتعتدل وفق مفاهيم العدل والعدالة الإنسانية ؟
وهل يستطيع المسلم أن يبني بهذه النصوص الدينية دولة العدل والعدالة التي من أبرز علاماتها ومبادئها المساواة في الحقوق والواجبات بين الناس في ظل قوانينها ؟!
يمكننا القول ونقول دائما بأن الشريعة نفسها قد منحت المسلم نوعا من أنواع التفويض أو التوكيل لكي يتجاوز بعض النصوص الدينية كلما تطورت المجتمعات الإنسانية بمبادئ تعزز من حماية حقوق الإنسان وتسمو به نحو المزيد من العدالة نعم يتجاوز بعض نصوص الدين لصالح العدل أو العدالة كما هي مُقرَّرة ومُفَصَّلة وَمُبَيَّنة بالوثيقة الدولية لمبادئ حقوق التي صارت ميثاقا ومعاهدة عظيمة محبوبة عند الله بكل يقين في مجلس الأمم المتحدة وحينما نقول مبادئ حقوق الإنسان يعني الإنسان مهما كان دينه ومذهبه وفلسفته وجنسه .
نتجاوز بعض نصوص الدين لأن ظواهرها جاءت محمولة بمفاهيم وفتاوى حادة وقاسية وعنيفة منذ 14 قرنا رداً على مجتمعات غير مسلمة كانت محمولة بثقافة وعقلية وسياسة حادة ووحشية وعنيفة إزاء عقيدة المسلمين وحقوقهم ومصالحهم وعلى سبيل المثال لا الحصر :
إذا تجاوز المسلم أحكام الرق والإستعباد في الحرب والسلم المحمولة بظواهر النصوص الدينية تجاوبا مع ميثاق مبادئ حقوق الإنسان الذي دعت إليه الأمم المتحدة الدولية فهذا التجاوز للنصوص الدينية بهذا الجانب لا يمكن أن يجعلنا تحت غضب الله والرسول والعقل والعدل .
يمكن القول كما قال السيد الشهيد محمد باقر الصدر رحمه الله بأن " الواقع المتطور بصورة دائمة هو جزء من مدلول النص الديني فكلما تطور الواقع يجب أن يتطور تفسير النص الديني ونتجاوز النص ضمن الحفاظ على مقصده وإن العدل دائما هو أبرز مقصد للنص الديني."
ولذلك يمكن القول بأن معادلة حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة لا تتعارض مع الإعتقاد بأن بعض ما جاء به نبينا محمد (ص) وبعض ما أنزله الله تعالى مرتبط ارتباطا واضحا كما قال الشهيد الصدر رحمه الله بأسباب اجتماعية وسياسية واقتصادية وأمنية متحركة متطورة متغيرة وبناء على ذلك يجب أن تتغير تبعا لها بعض المفاهيم وبعض الفتاوى وذلك لصالح مفهوم العدالة والعدل وحقوق الإنسان[ وليس لصالح فكرة ولاية الفقيه التي تعيدنا إلى الإستبداد الديني وإلى السلطة الإلهية المطلقة التي هي شر مطلق ومفسدة مطلقة ] .
وعلى سبيل المثال كأن يقوم اليوم المسلمون بسن قانون يمنعون فيه الرجل من تعدد الزوجات أو قانون يفرضون فيه تحديد النسل إلى أجل معين محدد؟
أو قانون يمنعون فيه الصيد البري والبحري إلى أجل معين محدد ؟ بعبارة أخرى يمكن القول بأن الشريعة بمعزل عن العبادات هي ليست جامدة ثابتة وليست هي قضاء لا يُرَد ولا يُبَدَّل وإنما هي نص إلهي صامت والعقل نص الهي ناطق وكلاهما يهدفان إلى تعزيز العدالة بتعزيز مبادئ حقوق الإنسان وصيانة مصالحه ويتكاملان في إطار تأسيس العدالة الإجتماعية وحماية البيئة وإعمار الأرض بكل أنواع التنمية وألوان الإزدهار والرفاهية.