لا يُخفي أحد العارفين بكثير ممّا يُمكن البَوح به وبما لا يمكن كَشفه، أنّ الحريري كان يعيش نزاعاً داخلياً بين الحاجة الى كشف بعض المستور أو عدمه.
فإصراره على الاحتفاط لنفسه بما شَهدته الأيام التي أمضاها في الرياض أمر احترمه كثيرون من القادة اللبنانيين والأجانب على حدٍّ سواء إحتراماً له، أو لفقدان رواية كاملة ومتكاملة عن تلك «الأزمة الصعبة»، كما وصفها.
ويكشف عارفون بوقائع كثيرة انّ حركة الإتصالات التي أعقبت التهديد بالخطوة لم تتوقف على أكثر من مستوى، بدءاً باتصالات أجراها أحد وزراء «القوات اللبنانية» مع الوزير غطاس خوري داعياً الى تأجيلها ومحذّراً من نتائجها السلبية، وصولاً الى طلب موعد للقاء مع الحريري إذا سمحت الظروف بذلك، لكنه بَدا وكأنه طلبَ أمراً مستحيلاً.
تزامناً، تَسرّب كلام عن حركة ديبلوماسية لافتة شارك فيها ديبلوماسيون غربيون وآخرون من أصدقاء الطرفين، لِفَهم خلفيات هذه الخطوة في هذه المرحلة بالذات، والحكومة لم تسترجع بعد شيئاً من الثقة التي طلبتها مجدداً عقب انتهاء أزمة الاستقالة ومحطة التريّث.
وعَبّر بعض السفراء عن أهمية تأجيل الخطوة، لهدفين:
- الأول، السّعي الى ترميم العلاقة بين الحريري وحلفاء الأمس، إن كان ذلك ممكناً في الأيام المقبلة.
- الثاني، تأجيل أيّ هزة حكومية، ولو كانت محدودة، في ظل فقدان الضمانات التي تحمي سقفها.
وفي الحالتين كان الخوف الأكبر أن تقود الخطوة الحريري الى حضن الفريق الآخر الذي «شَجّع» على الأمر، وهو ما سيقود الى إحياء الأزمة مع دول مجلس التعاون الخليجي قبل انتظار مساعي ترميمها، خصوصاً انّ الحريري ربط بين أداء المحرّضين وَمن طعنوه في الظهر والتوجّهات السعودية والخليجية الجديدة، فمَن يضمن بقاءَها على نوع من الحياد الذي تعاطَت به من خلال امتناعها حتى اليوم عن التعليق على الظروف التي انتهت الى التريّث الحكومي والعودة عن الإستقالة؟
وقالت أوساط «بيت الوسط» انّ الحريري لم يحدد موعداً لـ»بَق البحصة» وفي اي حلقة، وأوحَت أنها كانت خطوة مؤجلة، لم يقتنع بها أحد.
قبل كل هذه التطورات كانت أوساط «بيت الوسط» تختصر الطريق الى ما يمكن ان يكشفه الحريري ومن سيستهدفه من شخصيات وأحزاب «طعنته في الظهر»، وحاولت الإساءة الى علاقاته الخليجية.
فدعت الى إعداد جَردة بالاستقبالات والاتصالات التي تلقّاها او أجراها الحريري منذ مغادرته الرياض، لافتة الى ان من لم تَشملهم هذه اللقاءات والاتصالات هم المستهدفون بـ«البحصة»، وربما كبرت اللائحة لتشمل ما بقيَ مخفياً من أحداث تلك الفترة واللاعبين فيها.
في الصالونات الضيقة كلام حول نقاش كان جارياً عمّا إذا كانت عملية «بَق البحصة» ستشمل أبناء «البيت الأزرق». ففي المعلومات التي تسرّبت من الأوساط عينها انّ النقاش الحامي كان جارياً ومطروحاً حتى الدقائق الأخيرة الفاصلة عن الحلقة المؤجّلة، بعدما انقسم المشاركون فيه بين رأيين:
أحدهما يقول انّ الشفافية في التعاطي مع الرأي العام في مثل هذه الحالات الإستثنائية هي واجب، وانّ ما يعيشه التيار الكبير يعني اللبنانيين جميعاً كما الحزبيين. والرأي الثاني يقول إنّ ما هو داخل البيت يجب أن يبقى داخله.