ها هي فلسطين تبرهن اليوم ما برهنته من قبل، شمال جنوب الليطاني في لبنان، حيث الجراح الفسيحة والدماء الزكية، ولهذه الأرض من المناخات والأنهار والأشجار والغيوم والسحاب، ولشجر الزيتون والتين والصفصاف والسرو، ها هي فلسطين اليوم تستيقظ على مقلاع الأحجار والصخور، كلما حاولوا أن يدسوا لها مخدراً لكي تبقى في سبات عميق، ليذهبوا بعقول أهلها وأطفالها وشيوخها وكهولها، نشتم ورود ترابها وعبيرها من دمها وعرقها وتعبها وتعصف في وجه محتليها لا نصر لغازٍ ومغتصبٍ، ستنتصر حجارة الأقصى مهما انكسرت القلوب، وستؤرخ تلك الحجارة على أبواب القدس، ولحارسها وصانع مقلاعها، وليسكت هذا الصمت ويبقى أجدى وأنفع لمن لا يحسنون رمي الحجارة أو تصويبها على المحتل أو يرسمون لها خارطة وبورصة إحداثيات لخارطة التاريخ وخارطة الوطن العربي والإسلامي.
إقرا أيضا: الدموع العربية على فلسطين مشروعًا دوليًا
وأما بقية حروب الحناجر الصوتية فإنها تبرهن وبكل جدارة وبسالة، تبرهن بالدبلجة والإصطياد خارطة الطريق إلى الهزيمة، وبإعلامها الذي يحمل بوقاً لحناجر برهنت على أنها مجرد ظاهرة صوتية في حرب الحناجر العربية التي حوَّلت أبطال المقاومة في أغلب عواصم العروبة إلى مجرد زبائن وضيوف في دكاكين بيع الشعارات والكلام، ذاك من يخته وآخر من منتزهه ويخته، يتاجرون بدماء الأطفال والنساء وعجز الكهول وتشريد المجهَّر، كلٌ هؤلاء يدعي رغبته بحمل حجرٍ أو معولٍ في جهادٍ مزعومٍ تظن كل الظن بأن هزيمة إسرائيل قادمة من هتافاتهم في فنادقهم العربية.
إسرائيل تلك لا تتجاوز الأربع ملايين يهودي نراهم يحكمون أغلب الدول، فيما نحن أكثر من 300 مليون لا يتحكم أغلبهم حتى في رفع صوته أو ببحبحة حنجرته الرنانة، عشرات الملايين من العرب والمسلمين في بلاد الغرب لا يستطيعون ولو بإيصال رسالة إلى هذا العالم فبقيت تلك الملايين المهاجرة مجرد كتائب وجمعيات فقط لرفع لافتة أمام سفارة أو مكتب، وكأن تحرير الأرض تدار برفع علم أو شعار أو بحمل لافتة أو بظاهرة صوتية.