ربما على الجنرال المصري عبد الفتاح السيسي الذي أصبح رئيساً للجمهورية أن يكون الأول الذي يعترف بأن القبضة الحديدية لا تضمن الاحتفاظ بالسلطة. ولا يعود ذلك الى الحكم المستبدّ الذي مارسه الرئيس حسني مبارك الى أن خلعه الشعب بثورته عام 2011، بل الى عجز القبضة الحديدية للسيسي عن سحق المقاومة، والى عدم تمكينها إياه من تأمين الخدمات المتنوعة، وتوفير فرص العمل والسلع الضرورية للشعب. هذا ما يقوله باحث آسيوي جدّي تابع ولا يزال يتابع أوضاع الخليج بعربه وعجمه وأفغانه وباكستانييه… ومعها أوضاع مصر أكبر الدول العربية ديموغرافياً وأكثرها عمقاً رغم هشاشة أوضاعها. ولم يصل السيسي في رأيه الى الاستنتاج، قبل الانتخابات الرئاسية المتوقعة السنة المقبلة، أن عليه تخفيف قبضة حكمه، وتقليص دور المؤسسة العسكرية في الاقتصاد الذي يُغرق في انتظام معظم القطاع الخاص، واختيار سياسات اقتصادية لا تركز على المشروعات الضخمة المحتاجة الى بنى تحتية بمثل ضخامتها، بل يكون هدفها خلق وظائف للمصريين وانتشال الملايين منهم من الفقر وبدلاً من أن يستخدم الرئيس السيسي الدعم الواسع الذي يتلقاه منذ توليه الرئاسة بل حتى قبل تربّعه على سدّتها، لإراحة شعبه اقتصادياً وسياسياً وللإعتراف له بمزيد من الحريات، فإنه أفاد منه لتشديد قبضته على المجموعات الشبابية وعلى النوادي الرياضية التي كانت في قلب الثورة الشعبية عام 2011 أو قلبها. كما يبدو أنه يحاول بسلطاته الواسعة ضمان عدم تقديم مرشحين ذوي صدقية ترشيحهم للرئاسة، رغم أنه لم يعلن بعد اعتزامه ترشيح نفسه لها أو قراره في هذا الشأن.
انطلاقاً من ذلك يلفت الباحث الآسيوي نفسه الى أن سياسات السيسي الفاشلة وإلحاحه على الضبط القمعي للحياة العامة، وتمسّكه بالآليات الانتخابية غير الحرّة وغير النزيهة، تدفع الى طرح أسئلة حول استمرار العملية المضادة للثورة التي تقودها المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة، والتي كان هدفها ضرب انجازات الانتفاضات الشعبية العربية عام 2011. فالجنرال السيسي وصل الى السلطة عام 2013 بثورة شعبية حماها الجيش أو حرّض على قيامها على أول رئيس مصري منتخب ديموقراطياً. علماً أن ممارسته على قِصرها لم تثبت ايمانه بالديموقراطية أو انتسابه اليها. طبعاً أظهرت مصر مقاومة للصيغة السياسية التي تطبقها المملكة والامارات داخل بلديهما والتي تبشران بها الدول الأخرى في المنطقة. فالدولتان اعتنقتا الاصلاح الاقتصادي وحرية اجتماعية أكبر وأوسع واستعملتا في الوقت نفسه القمع للاحتفاظ بسيطرة سياسية شديدة. والقمع والسلطة السياسية المطلقة يبدوان المظهر الوحيد للصيغة الاماراتية السعودية التي تبنتها مصر بكل حرارة وقوّة. وقد أجبر ذلك الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي خفّف التأكيد على حقوق الإنسان في سياسة إدارته والمعجب بالزعيم المصري، على وقف بعض المساعدات العسكرية هذه السنة انسجاماً مع قوانين بلاده.
والاعلام الأميركي لم يكن دوماً مع الرئيس السيسي. فجريدة “الواشنطن بوست” وصفته، في افتتاحية تناولت العملية الإرهابية التي استهدفت مسجداً في سيناء وقتلت 305 مصلين وجرحت عدداً أكبر، بأنه “جزء من المشكلة وليس من الحل. ذلك أن النظام استخدم الإرهاب ذريعة لممارسة أقصى عملية قمع في تاريخ مصر الحديث”.
ماذا عن علاقة أميركا بمصر؟
يعتقد الباحث الآسيوي نفسه أن اتفاق مصر وروسيا أخيراً على مسوّدة اتفاق يسمح للقوات الجوية الروسية بالعمل انطلاقاً من قواعد مصرية يحتمل أن يثير غضب أميركا. وربما يزداد هذا الغضب إذا سمح الاتفاق للامارات العربية المتحدة والعربية السعودية بتعزيز تعاونهما أو بتشجيعه مع روسيا، وخصوصاً في ليبيا حيث تدعم الاثنتان القائد العسكري المثير للجدل خليفة حفتر.
هل يحاول السيسي محاورة شباب بلاده الغاضبين؟ يجيب الباحث الآسيوي الجدّي والعميق نفسه أنه جرّب الحوار معهم. لكنه لم ينجح لأنه أراد جواً سياسياً “مضبوطاً” أو مُسيطراً عليه مع الشباب المصري. ولهذا السبب أطلق لاحقاً تحرّكين مرفقين بجهود كبيرة لضبط الشباب والمنظمات الرياضية. كما ركّز على متابعة المرشح الرئاسي غير الرسمي ضده أحمد شفيق باعتباره التحدّي الأكبر حالياً لاستمرار حكمه. وتجلّى ذلك بموافقة مجلس النواب في الشهر الماضي على قانون جديد يحكم أو يسوس الفريقين المذكورين أعلاه. ورغم أنه حدد “هوية الشباب المصري” فقد منع النوادي من الانخراط في أي نشاط سياسي ومن تشجيع أي نشاط سياسي أو أي أفكار وأهداف سياسية.