زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سورية يوم الإثنين، للاحتفال مع بشار الأسد أولاً ببسط نفوذه في المتوسط من قاعدة بحرية باقية إلى أجل غير مسمى في طرطوس، وثانياً لمنع امتداد أي نفوذ أميركي وغربي. فبوتين أنقذ بشار الأسد الذي بدأ حرب أهلية على شعبه قتلت أكثر من ٤٥٠ ألف مواطن وشردت الملايين. وأدت إلى أكبر موجة من اللاجئين في التاريخ. لولا القوة الجوية العسكرية الروسية ومقاتلو «حزب الله» ومرتزقة إيران على الأرض، لما استطاع بشار الأسد استعادة السيطرة على معظم المدن مثل دمشق وحماة وحمص واللاذقية وحلب بعد تدميرها. وجاء بوتين الإثنين ليطمئن الأسد في بلد أصبح تحت وصايته المشتركة مع إيران أنه باق تحت مظلته. فبوتين كما الأسد، يطمح إلى إعادة ترشيح نفسه في انتخابات على نمط انتخابات سورية المفبركة. وانتصار روسيا بوتين جعل معظم الدول العربية تسرع إلى التحاور معه، لأنه حول مركز النفوذ العالمي في المنطقة إليه. وأصبحت روسيا القوة المهيمنة في هذا الشرق الأوسط المأساوي، بعد أن تخلت الولايات المتحدة في عهدي الرئيسين أوباما وترامب عن الاهتمام بمصير سورية. وقد انطلقت مرة أخرى، مفاوضات عقيمة في جنيف بين معارضة سورية تنهال عليها الانتقادات الدولية حتى من المبعوث الأممي، فيما يستفيد النظام من حماية روسيا وإيران والعالم أصبح يتجنب إدانة جرائم الأسد.
إن السياسة الأميركية كارثة في منطقة الشرق الأوسط. فمسألة نقل الرئيس دونالد ترامب سفارة بلده إلى القدس هي من بين مآسي تداعيات السياسات الأميركية المستمرة للرؤساء المتعاقبين. ولو أنها بأسلوب مختلف عن ترامب ولكن المضمون ذاته. فأوباما امتنع عن ضرب قواعد بشار الأسد في السنوات الأولى من الحرب بحجة أنه اتفق مع الروس على عدم تجاوز الأسد الخط الأحمر باستخدام السلاح الكيمياوي. لكن الخط الأحمر تم تجاوزه وظهر «داعش» وتركت سورية لـ «حزب الله» وإيران وروسيا منذ أوباما. جاء بعد ذلك ترامب يحاول التغيير عن سلفه، ويضرب صاروخاً على أسلحة كيمياوية سورية في بلدة خان شيخون ويدين الأسد، قائلاً أن كل محاولات تغيير نهجه فشلت وإنه يُعدّ العالم بإنهاء الإرهاب والقتل بكل أشكاله في سورية. إلا أنه يبدو كأنه تراجع في ذلك، إذ أن كل المؤشرات تدل على أن ترامب لا يبالي بمصير سورية، وأنه وافق لبوتين أن يبقى الأسد حتى عام ٢٠٢٠. إن معظم الدول والمسؤولين انهالوا بانتقادات على المعارضة السورية بأنها منقسمة ومخترقة وضعيفة، وأن ليست هناك شخصية بارزة يمكنها أن تكون في القيادة. لكن يجدر السؤال هل أن الأسد هو الأكفأ بالتدمير والقتل والتخويف. وأي شرعية لحكمه سوى الوراثة من أب استولى على الحكم بالقوة والتخويف. فسهل القول إن ليس هناك معارضة سورية وتوجيه اللوم إليها وكأن الأسد ضرورة لبلد دمره بالعناد والإرهاب والوحشية. وبوتين متمسك ببطله السوري الذي جعل منه القوة العظمى في المنطقة حتى إشعار آخر. وكلما قيل له عن ضرورة رحيل الأسد يرد قائلاً إنه لن يجد شخصية أخرى بارزة بديلة.
طبعاً، من سيكون أفضل من الأسد لخدمة مصالح روسيا وإيران على حساب بلده ودم أبنائه؟ إن المأساة أن الولايات المتحدة سلمت مصير سورية لروسيا، بسبب تراجعها وبسبب عدم السماح لقوة مثل فرنسا أن تلعب دوراً في مثل هذه المفاوضات من أجل حل حقيقي وديموقراطي لبلد أصبح قراره في موسكو وطهران والضاحية الجنوبية لبيروت. وإعلان بوتين سحب بعض قواته من سورية هو الثالث خلال سنة ونصف السنة، وهو بعيد عن الحقيقة. فروسيا باقية ومتمركزة في طرطوس وفي قاعدتها الجوية في اللاذقية لحماية مصالحها ونفوذها أولاً وآخراً، وليس حباً بالأسد، بل لأنه يجسد لها خدمة هذه المصالح على حساب شعبه. فكيف بعد ذلك يتخلى بوتين عن الأسد؟ لكن السؤال على المدى الطويل هو: هل يدوم التحالف الروسي- الإيراني في سورية أم أنه يتحول تنافساً وصراعاً على الهيمنة؟ وهذا أمر من السابق لأوانه التطرق إليه، لأن الحرب في سورية لم تنته بعد على رغم كل ما يقال، والحلف الروسي- الإيراني ضرورة آنية للإثنين.