عناوين كثيرة، ومشاهد تغيّرت منذ إنتخابات العام 2009 الى يومنا هذا، أبرزها تحالف السلطة العريض الذي يُشكّل تيار «المستقبل» و«التيار الوطني الحرّ» أبرز ركائزه، في حين أنّ «الثنائي الشيعي» ليس بعيداً منه، ومعه الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط.
أما العامل الآخر الذي يُرخي بظلاله على المعركة في أيار المقبل، فهو إنهيار جبهة «14 آذار»، إن بشقّها الإسلامي- المسيحي بعد توتّر العلاقة بين «القوّات اللبنانية» و«المستقبل»، أو بشقّها المسيحي بعد إبتعاد أحزاب «القوات اللبنانية» و«الكتائب» و«الوطنيّين الأحرار» والمستقلّين المسيحيّين عن بعضهم البعض وإتّساع الهوّة بينهم يوماً بعد يوم.
وانطلاقاً من أنّ قضاء بعبدا هو مسقط رأس رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، فقد بات «التيار الوطني الحر» يتمتّع بقوة السلطة وخدماتها بعدما خاض الإنتخابات السابقة متكلاً على قوّته الذاتية والشعبية.
وتتميَّز معركة بعبدا التي جعلها القانونُ النسبي دائرةً واحدة بـ«موزاييك» طائفي وسياسي، وتضمّ 6 مقاعد تتوزّع كالآتي: 3 موارنة، 2 شيعة، ودرزي. ويقدّر عدد الناخبين بنحو 10 آلاف ناخب سنّي، 43 ألف ناخب شيعي، و30 ألف ناخب درزي. أما مسيحيّاً، فهناك نحو 85 ألف ناخب مسيحي مسجّلين على لوائح الشطب في غالبيتهم الساحقة من الموارنة.
لم تكن معركة 2009 نزهة بالنسبة إلى «التيار الوطني الحرّ» و«حزب الله»، إذ إقترع نحو 84 ألف ناخب، ونالت لائحة «التيار» الحزب نحو 44 ألف صوت كمعدّل وسطي، أي ما نسبته 52 في المئة، في مقابل 37 ألف صوت للائحة «14 آذار» أي ما نسبته 44 في المئة، وبقيت 4 في المئة أصوات مشتّتة، وبالتالي لو كان القانون النسبي ساري المفعول لكانت «14 آذار» حصدت 3 مقاعد بالتساوي مع «التيار» لأنها تتفوّق في الكسور.
لا شكّ في أنّ كلّ تلك العوامل ستُغيّر مجريات المعركة المقبلة، فالحزب التقدّمي الإشتراكي الذي من المفترض أن يرشّح الوزير أيمن شقير لن يدخل في معركة شرسة ضدّ العهد، كما أنّه لن يواجه «حزب الله»، في حين أنّ الأصوات السنّية ستعطي «التيار الوطني الحر» الذي يبدو واضحاً أنه سيعيد تسمية نوابه الثلاثة الى الإنتخابات المقبلة وهم: ألان عون، حكمت ديب، وناجي غاريوس، وسيكون مضطّراً للتخلّي عن النائب الدرزي فادي الأعور في حال قرّر التحالف مع «الإشتراكي».
من جهته، يدرس «الإشتراكي» خطواته بتأنٍّ في هذه الدائرة، وهو فضّل عدمَ إعطاء وعود إنتخابية لأحد من حلفائه المسيحيّين، خصوصاً شخصيات الجرد، وفي طليعتهم رئيس بلديّة الشبانيّة كريم سركيس. ويسعى «الإشتراكي» إلى إستعادة مقعد بعبدا، حيث يكون هذا الأمر من الحسنات الوحيدة للقانون النسبي على جنبلاط.
ومن المتوقّع أن يصوّت نحو 90 ألف ناخب في هذه الدائرة، ما يعني أنّ الحاصل الإنتخابي هو 15 ألف صوت، وبالتالي فإنّ «الإشتراكي» يستطيع بمفرده تأمينَ هذا الرقم لأنّ نسبة الإقتراع عند الدروز تكون مرتفعةً دائماً.
أمّا «القوات»، فتحاول حصدَ مرشّح حزبي في بعبدا، حيث من المتوقّع أن يعلن الدكتور سمير جعجع بعد غد الخميس من معراب، عن مرشح «القوّات»، وهو وزير الشؤون الإجتماعية بيار بو عاصي. وسيفتح هذا الترشيح المعركة الإنتخابية باكراً، إذ إنّه يُلغي أيّ إمكانية للتحالف مع «التيار الوطني الحرّ» الذي لن يتخلّى لـ«القوات» عن مقعد وبالتالي يتمسَّك بمرشحيه الثلاثة، علماً أنّه في ظلّ القانون النسبي لا مصلحة للأقوياء بالتحالف.
والجدير ذكره، أنّ قضاء بعبدا شكّل أحد أبرز الحالات الإنتخابية المستعصية قبل توتّر العلاقة القواتية- العونية، فعندما كان يُحكى عن تحالف إنتخابي بين «القوات» و«التيار» في ظلّ النظام الأكثري، كان السؤال الأبرز: كيف سيتعامل «حزب الله» مع هذا التحالف، وهل سيمنح أصواته لـ«القوات»؟ أم إنّه سيغضب من «التيار» على الحلف الجديد؟ وقد أتى القانون النسبي إضافة الى فكّ التحالف الإنتخابي بينهما، ليريح البعض من التفكير في هذا الأمر.
وإذا كان إتّجاه لائحة «التيار» و«حزب الله» واضحاً، فإنّ التحالفات المقابلة غير واضحة المعالم، وبعد عزوف رئيس بلدية الشياح إدمون غاريوس عن الترشّح بعدما شكّل رافعة للائحة «14 آذار» عام 2009 ويُعتبر في الوقت نفسه قيمةً مضافة لأيّ لائحة، يُطرح تحدّي ما إذا كانت أحزاب «القوات» و«الكتائب» و«الأحرار» ستتحالف مع بعضها البعض، لأنّ أيَّ حزب منها لا يملك بمفرده الحاصل الإنتخابي، وإذا لم يحصل هذا التحالف، فكيف سيكون شكلُ اللوائح، ومع مَن سيتحالف كلّ حزب؟