في حي زقاق البلاط، في طرابلس القديمة، ما زالت الـ250 ليرة لبنانية تحمل قيمة. فمحل أبو أحمد مصري ما زال صامداً حتى اليوم رافعاً شعار بيع "أرخص منقوشة" في لبنان. فالزمن عند أبو أحمد (75 عاماً) توقف منذ عشرين سنة، عندما بدأ بيع منقوشة الزعتر بـ250 ليرة، والجبنة بـ500 ليرة. فلم تتأثر هذه التسعيرة بارتفاع أسعار الطحين أو الغاز والايجارات.
وأبو أحمد، الذي يقول إنه يرضى بالقليل، لا يحسب الايرادات ولا النفقات. يعتمد على "البركة". وحين جرب مرة احتساب الفرق، وجد أن دخله أقل من ثمن البضاعة التي يشتريها. لكنه، يشدد على جودة ما يقدمه لزبائنه. فهو، الذي قضى 3 عقود في العمل في الأفران، يستخدم "مواد أولية بنفس جودة المحلات باهظة الثمنة". لكن، الفرق ربما في اعتماده على جهده البدني في خلط العجين، والشوبك.
منقوشة أبو أحمد متوسطة الحجم. وهو يراها "مناسبة وتقاوم التبذير. فلا يرمي مستهلكها الزيادات". وهي رفيقة دائمة لـ"هرم العصير"، الشهير في لبنان، وثمنهما معاً يصبح قطعة نقدية فضية من فئة 500 ليرة. لكن، أبو أحمد يشكو من نقص مستمر في القطع النقدية. ففي غالب الأحيان يقصده الأطفال ويعطونه ألفاً وينتظرون أن يرد لهم. وفي بعض الأحيان يجد نفسه مضطراً إلى التنازل عن ثمن المنقوشة الزهيد لصاحب الحاجة، خصوصاً أن المحل يقع في حي فقير، ويجذب الفئات الأقل دخلاً. ويقصده أناس من خارج الحي من أجل التوفير.
يتساعد أبو أحمد وزوجته في العمل، الذي يعيل عائلة مؤلفة من 8 أفراد. فهي تتولى تحضير بعض الخلطات البيتية من أجل جذب مزيد من الزبائن، كالكشك والشنكليش والسبانخ والخلطة الحارة، التي تعدها وفق الحاجة اليومية.
وفي محل "أرخص منقوشة"، الجدران غير مغطاة بالبورسلان. فقدرة صاحبها لا تتجاوز إمكانية طلاء الحجارة القديمة بالدهان. لكنه يدرك أهمية الحفاظ على أمان المنقوشة. لذلك، لا يشتري كميات كبيرة من الطحين والمواد الأولية. وهو يقسم كيس الطحين إلى حصص يومية، إذ يضع كل حصة ضمن "تنكة من الستانلس" لها غطاء عازل.
يقول أبو أحمد إن هذا العمل لا يغني، لكن يستر. كما أنه بوابة للإطلاع على الأحوال المعيشية للناس. وهو يبقى أفضل من العمل لدى الآخرين.