زار قائد «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي الحدود اللبنانية- الإسرائيلية. تفقد مواقع «المقاومة» هناك، وقال إنه مستعد لتلبية نداء «الإمام الغائب» والمجيء للتصدي للعدو الصهيوني بعد انتهائه من مهمة التصدي للعدو التكفيري.
إذاً هو أيضاً «العدو التكفيري» وقد انضم إلى شقيقه «العدو الصهيوني»، ونحن إذ دحرنا الأول في الموصل كنا دحرنا الثاني عام 2006 في لبنان. وفي سياق دحرنا هذا وذاك، أزلنا الحدود بين الدول وجعلنا الحرب الأهلية شكلاً أبدياً للعلاقة بين الجماعات. الحرب المتواصلة التي لا تنتهي والتي يكشف فيها أطفال عن وجوه مقاتلين، وتغطي فيها نساء وجوههن، ويغور فيها العدو الأول في الصحراء منتظراً فرصة، فيما العدو الثاني يعلن القدس عاصمة أبدية له.
انتصر قيس الخزعلي، ورد على رئيس حكومة النأي بالنفس في لبنان بأنه زار لبنان بجواز سفر عراقي، وارتدى الثياب العسكرية تضامناً مع الشعب المقاوم في كل من لبنان وفلسطين. لا بأس، فهو في هذا الكلام كان يرد أيضاً على نفسه عندما صرح بأنه جاء إلى الحدود تلبية لـ «نداء صاحب الزمان» وهو إذ اختتم تصريحه الذي بثّه موقع العهد التابع لـ «حزب الله» بعبارة «لبيك يا مهدي» التي يطيب لرئيسي الجمهورية والحكومة في لبنان سماعها في موازاة إعلانهما لبنان بلداً محايداً، لم يقصد أن يستهدف التنوُّع في لبنان، فالمهدي تنتظره الأمة المُستتبعة كلها، وعلى اللبنانيين كلهم انتظاره، وجواز السفر العراقي الذي قدم بموجبه الشيخ الخزعلي إلى لبنان كافٍ لدحر كل ادعاءات أخرى.
قيس الخزعلي في جنوب لبنان، وقادة «حزب الله» العسكريون في العراق، وقاسم سليماني في البوكمال السورية. ليس «داعش» وحده من يعتقد بأن الدول كيانات زائفة، وأن لا قيمة للحدود وللحكومات وللقوانين. الفارق الشكلي يكمن فقط في أن الخزعلي قدم إلى لبنان بجواز سفر عراقي، لكنه جاء بثيابه العسكرية، وأعلن من جنوب لبنان تلبيته نداء «صاحب الزمان». أبو علي الأنباري، قائد «داعش» في سورية، كان وصل إلى ريف حلب تسللاً ومن دون جواز سفر عراقي، على رغم أنه مواطن عراقي. علينا هنا أن لا ننسى الفارق. علينا نحن اللبنانيين أن نُقدّر للخزعلي احترامه قوانين بلدنا. وعلى رئيس حكومتنا أن يتّعظ.
يكفي أن نقول «العدو التكفيري» لكي نتجاوز الشكليات. في حقبة تصدّر «العدو الصهيوني» وعينا، قبلنا بالحروب الأهلية وبفناء دولنا وبأنظمة البعث الاستبدادية على مذبح القضية الكبرى، اليوم أضيف عدو جديد، هو «العدو التكفيري». يمكن واحدنا أن ينتهك كل شيء في سبيل التصدي له. ما هذه الترّهات التي صدرت عن الحكومة اللبنانية؟ فإذا أضفنا العدو التكفيري إلى العدو الصهيوني ستفتح في وجهنا كل الأبواب وكل الحدود.
ليس ما ورد أعلاه مجرد هذرٍ، ففي غفلة منا جرى تأسيس لغة ستصبح قريباً موازية ومتناغمة مع لغة جرى تأسيسها على مذبح الصراع الأول مع إسرائيل. فقيس الخزعلي زار المنطقة نفسها التي انتهكت فيها السيادة اللبنانية للمرة الأولى إثر اتفاق القاهرة عام 1969، والذي كان مقدمة للانفجار الأهلي الكبير عام 1975. حينها كان «العدو الصهيوني» يربض على أنفاس التجربة اللبنانية، واليوم أضيف إليه عدو جديد وصارت أسباب الزيارة مضاعفة. «العدو التكفيري»! من يُشكك في وجوده عليه أن يتأمّل مصير من سبق أن شككوا في جدوى «دولة فتح» في العرقوب. يدفع المسيحيون في لبنان إلى اليوم ثمن وقوفهم في وجه هذه الدولة. السنّة في لبنان باشروا بدفع ثمن موازٍ، ولبنان برمته صار جزءاً من الخريطة التي رسم خطوطها قاسم سليماني.
زيارة الخزعلي ليست أكثر من مشهد اقتضى لعبه بزّة عسكرية وجواز سفر عراقياً وبيان تذمّر من حكومة ضعيفة. المشهد الأثقل سيكون حين يصل قاسم سليماني قريباً ويعلن من جنوب لبنان أن الأمر لـ «نائب الإمام الغائب»، طالما أن الغيبة الكبرى طالت كثيراً.