بعدما كانت الحكومة تأمل في ان يشهد الاسبوع الحالي انطلاقة جديدة لعملها بعد «بيان النأي عن النفس»، برزت معطيات وأحداث جديدة من شأنها التأثير في هذه الانطلاقة، وأبرزها:
اولاً، البيان الصريح جداً الذي صدر عن اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان في باريس الذي رطّب الذاكرة بالقرار 1559 الذي يفترض انّ القرار 1701 قد جعله لزوم ما لايلزم.
ثانياً، تداعيات قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة اسرائيل، حيث حاولت اطراف لبنانية وفلسطينية تحويل التظاهرة أمام السفارة الاميركية في عوكر إحتجاجاً على قرار ترامب، الى أعمال شغب واعتداءات على الأملاك الخاصة والعامة، لا ضد السفارة بل ضدّ الدولة اللبنانية عبر اجهزتها الامنية، وخصوصاً ضد الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي الذين رَشَقهم المتظاهرون بالحجارة وأحرقوا مستوعبات النفايات وحطّموا ممتلكات.
ثالثاً، الزيارة الملتبسة للامين العام لـ«حركة عصائب أهل الحق» التابعة لـ«الحشد الشعبي العراقي» الشيخ قيس الخزعلي الذي دخل لبنان من دون علم السلطات اللبنانية، وزار برفقة قياديين من «حزب الله» المنطقة الحدودية في الجنوب، بلباس عسكري، وأدلى بتصريحات أقلّ ما يقال فيها انها دعوة الى إنشاء دولة إسلامية مذهبية، دعاها دعوة «صاحب الزمان».
وعلى رغم تأكيد البعض أنّ زيارة الخزعلي للجنوب سبقت اعلان بيان النأي بالنفس ومؤتمر باريس للمانحين، إعتبر بعض المراجع الرسمية الزيارة «بمثابة خرق موصوف لبيان النأي بالنفس، وكذلك لبيان باريس».
بدورها، سألت مصادر سياسية: «هل أنّ السيادة اللبنانية مرتبطة ببيان يصدر او لا يصدر؟ وقالت: «حتى لو كانت الزيارة حصلت قبل اعلان بيان النأي بالنفس، فما هي الغاية إذاً من بَث فيديو عن الزيارة بعد صدور البيان وغداة اجتماع باريس؟».
تقارير ديبلوماسية
وعلمت «الجمهورية» انّ السفارات المعتمدة في لبنان لم تنتظر نهاية «الويك اند» لتكتب الى حكوماتها، بل سَطّرت تقارير اليها امس وامس الأول حول هذه الحادثة، مشيرة الى «انّ اللبنانيين بدأوا يشككون ببيان «النأي عن النفس» الجديد فيما لم يجف حبره بعد. واعتبر أحد السفراء الكبار «أن هناك فريقاً يَتعمّد تعرية لبنان من صداقاته وعَزله عن المجتمع الدولي بُغية الهيمنة عليه اكثر فأكثر».
وكان رئيس الحكومة سعد الحريري أوعَز الى الجهات المختصة لاتخاذ سلسلة اجراءات، من بينها منع الخزعلي من دخول الأراضي اللبنانية. وطالب بتحديد المسؤولية عن هذا الخرق، كذلك طالب السلطات الأمنية بفتح التحقيقات اللازمة.
المعارضة
ورأت مصادر سياسية معارضة في زيارة الخزعلي للجنوب «رسالة ايرانية متعددة الاهداف لدوائر القرار الوطنية والعربية والدولية، مفادها أنّ «الحرس الثوري الايراني» هو الذي يَتحكّم بقرار المنطقة السياسي والامني والعسكري، وأن لا وجود في لبنان للدولة، ولا وجود للقرارين 1701 و1559، وبالتالي إصرار المجتمع الدولي على قرارات الشرعية الدولية وإصرار الشرعية العربية على وصف «حزب الله» بأنه إرهابي، سقط من خلال هذه الزيارة التي اكدت أنها تتجاوَز قرار الدولة اللبنانية بالنأي بالنفس، واسقطت ايضاً ادّعاء الحكومة أنها قادرة على تنفيذ مبدأ «النأي بالنفس»، وبالتالي اسقطت إمكانية تحسين العلاقات اللبنانية ـ العربية لأنّ تحسينها مرتبط بالنأي بالنفس. فإذا لم تنجح الحكومة اللبنانية ومعها الحريري في تنفيذ النأي بالنفس، فلن تتحسن هذه العلاقات».
ونَددت هذه المصادر بما حصل خلال تظاهرة عوكر، «فعوكر ليست غزة، وما حصل فيها غير مقبول، وإيصال رسالة اعتراض على قرار الادارة الاميركية في شأن القدس يكون من خلال التظاهر السلمي وليس من خلال رشق الحجارة على الجيش والقوى الأمنية، فما جرى كان استباحَة «سرايا المقاومة» للدولة اللبنانية وقوانينها ولنظامها الأمني والعسكري».
«القوات»
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية»: «انّ دخول الخزعلي لبنان يستدعي ضبط الحدود اللبنانية-السورية لمنع دخوله وغيره مجدداً. فمَن قال انّ مواكب «حزب الله» التي تجوب المنطقة ذهاباً وإياباً ولا تعترف بحدود، لا تُدخل إلى لبنان من أمثال الخزعلي من مكوّنات محور الممانعة.
وإذا كان قد أُعلن عن جولة الأخير، فبالتأكيد هناك جولات وجولات غير معلنة، فيما النأي بالنفس الفعلي يتطلّب وسريعاً إصدار قرار دولي جديد او توسيع مهمات القرار ١٧٠١ وصلاحياته ليشمل الحدود اللبنانية-السورية».
ودعت المصادر «المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته بترجمة التزاماته وتعهداته بتطبيق سياسة النأي بلبنان عن نزاعات المنطقة، خصوصاً انّ زيارة الخزعلي شكّلت تحدياً لمجموعة الدعم الدولية التي اجتمعت في باريس، وتَحدياً للأسرة العربية التي دانت تدخل «حزب الله» في أزمات المنطقة، وتحَدّياً للحكومة اللبنانية التي أقرّت النأي الفعلي بالنفس، وانتهاكا صارخا للسيادة اللبنانية، واستفزازا لشريحة واسعة من اللبنانيين».
وقالت مصادر «القوات» انه «بمعزل عن مضمون الرسالة التي أرادت طهران توجيهها من الجنوب اللبناني، فإنه لم يعد مسموحاً بعد اجتماع مجموعة الدعم وبيان الحكومة الاستثنائي، استخدام لبنان صندوق بريد»، وأكدت «انّ قرار الدفاع عن لبنان هو قرار الحكومة اللبنانية التي يشكل «حزب الله» أحد مكوناتها، وبالتالي ليس حقاً حصرياً للحزب إطلاقاً.
وامّا التذرع بأنّ النأي بالنفس لا يشمل إسرائيل، إلّا انه في الوقت نفسه لا يعني فتح الحدود أمام المرتزقة، فيما قرار الحرب هو قرار سيادي لبناني بامتياز وليس قراراً إيرانيا ولا قرارا لميليشيات إيران المنتشرة في المنطقة».
قمة اسطنبول
وقضية القدس، يحملها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد غد الاربعاء الى قمة اسطنبول، حيث يلقي كلمة لبنان فيها. وعلمت «الجمهورية» انه سيشدّد فيها على موقف لبنان الداعي الى وقف النزاعات العربية ـ العربية ووقف استخدام السلاح وتدمير بلدانهم بأيديهم.
وسيقدّم مجموعة اقتراحات عملية لمواجهة ما حصل، والمحاولات المتقدمة لصَهينة القدس لمجرد الإعتراف بها عاصمة لإسرائيل. كذلك سيشدد على «رفض اغتصاب آخر المعالم الدينية التوحيدية المسيحية والإسلامية الجامعة على الأرض».
واطّلع عون من وزير الخارجية جبران باسيل على الأجواء التي سادت مؤتمري مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان ومؤتمر وزراء الخارجية العرب في القاهرة، والمحادثات التي أجراها على هامش المؤتمر وتناولت مختلف التطورات على مستوى قضية القدس، وما يمكن ان تؤول اليه التطورات في المنطقة.
واوضح باسيل انّ «لبنان اعترض على القرار الصادر عن الجامعة العربية، كونه لم يأتِ على المستوى المطلوب لهذا الحدث»، كاشفاً أنه سيطرح اقتراح «اعتراف لبنان بالقدس عاصمة لفلسطين في جلسة مجلس الوزراء الخميس المقبل».
وكانت وزارة الخارجية أعلنت انّ لبنان «سجل إعتراضه على عدم ملاقاة بنود القرار لمستوى خطورة القضية بما يعكس إلتزام لبنان عدم عرقلة إصدار القرار، مع مطالبته بمزيد من الاجراءات على النحو الذي يرقى الى مستوى الانتهاك غير المسبوق للمدينة المقدسة بمضامينها كافة».
بري
واستبعد رئيس مجلس النواب نبيه بري انعقاد قمة عربية طارئة للقدس، على رغم مطالبة لبنان بعقدها خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب السبت الفائت في القاهرة. وإذ أشاد بري بما تضمنته كلمة لبنان في هذا الاجتماع، واشار الى انه لن يحضر شخصياً اجتماع الاتحاد البرلماني العربي المخصص للقدس المقرر في المغرب الاربعاء وذلك بسبب عدم دعوة سوريا الى المشاركة فيه.وأكد أنه سيرسل الى هذا الاجتماع من سيمثّله.
وقال بري امام زواره امس انّ حركة «أمل» قررت المشاركة في المسيرة التي ستنطلق من الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم وسترفع العلمين اللبناني والفلسطيني، واشار الى مسيرة اخرى ستنظم في بيروت غدا وسيشارك فيها جميع القوى والاحزاب والفاعليات اللبنانية الى جانب الفلسطينيين.
وحول البيان الذي اصدرته مجموعة دعم لبنان إثر اجتماعها في باريس، قال بري: «انّ البيان جيد لولا بعض الهَنات الهَيّنات».
وكشف وزير بارز انّ لبنان طلب تعديل 5 نقاط في بيان مجموعة الدعم قبل اصداره ، منها الاستعاضة عن ذكر القرار الدولي 1559 بالقرار 1701 وسائر القرارات الدولية في اعتبار انّ الـ1701 حل مكان القرار 1559، وكذلك موضوع العودة الطوعية للنازحين. وعليه، فقد عُدّل النص بالنسخة العربية لكنه لم يعدّل بالفرنسية والانكليزية ما سبّب اللغط «. واضاف: «هذه حدود المسألة، لا اكثر ولا اقل».
«حزب الله»
وعشيّة تنظيم «حزب الله» مسيرة شعبية حاشدة نصرة للقدس في الضاحية الجنوبية، تلبية لدعوة الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله، قال عضو المجلس المركزي في الحزب الشيخ نبيل قاووق: «انّ رَد المقاومة على قرار ترامب يكون بتعزيز قدراتها عسكرياً وبتعزيز مشروعها على مستوى المنطقة، وإنّ الرَدّ المجدي على القرار الأميركي، إنما يكون بتأجيج روح المقاومة على امتداد المنطقة».
سعيد لـ«الجمهورية»
وقضية القدس سيطرحها ايضاً رئيس «لقاء سيدة الجبل» الدكتور فارس سعيد في لقاءاته في الفاتيكان، التي يسافر اليها اليوم لإجراء محادثات مع المسؤولين فيها، ومع رئيس منظمة «سانت إيجيديو»، المعنية بالحوار الاسلامي ـ المسيحي، وبالسلام في العالم.
وقال سعيد لـ«الجمهورية»: «سنبحث خلال زيارتنا التي تستمر يومين في موضوع القدس خصوصاً، حيث سنؤكّد اعتراضنا على قرار الادارة الاميركية بجَعلها عاصمة لإسرائيل من خارج اطار عملية السلام الشامل، وفي الوقت نفسه سندعم قرار السلطة الوطنية الفلسطينية، وسنُبدي إصرارنا على ان تكون القدس مدينة مفتوحة امام جميع المؤمنين، مسيحيين ومسلمين، ورفع القيود عن زيارتها. وكما أكّد وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي في الأمس بأنّ «زيارة السجين لا تعني التطبيع مع السَجّان».