النقطة الأهم في ما آلت إليه مناقشات الاجتماع الوزاري لمجموعة الدعم الدولية للبنان، الذي انعقد أمس في مبنى الخارجية الفرنسية في «الكودي سيه» هو ان عودة الرئيس سعد الحريري إلى ممارسة مهامه في رئاسة الحكومة في بيروت تمثل خطوة باتجاه تكريس شراكته كرئيس لصون وحدة لبنان واستقراره.
ولم تخفِ المجموعة ارتياحها استئناف انعقاد مجلس الوزراء في 5 ك1 الجاري، بعد التأكيد على قرارات «النأي بالنفس عن الصراعات والحروب الإقليمية وعن التدخل بشؤون البلدان العربية».
وفي الشق المتعلق بالقرارات الصادرة عن مجلس الأمن، حثت المجموعة الدولية على ضرورة التقيّد بها بما في ذلك القرارين 1559 (2004) و1701 (2008).
وأثنت المجموعة على دور قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان في حفظ الهدوء على طول الخط الأزرق وتعاونها مع الجيش اللبناني بهدف توسيع نطاق سلطة الدولة اللبنانية وترسيخها على كامل الأراضي اللبنانية. وتعرب عن قلقها العارم إزاء جميع انتهاكات القرار 1701 (2006)، ولا سيما الأحداث التي ذكرت بالتفصيل في تقارير الأمين العام لمجلس الأمن بشأن تطبيق القرار 1701. وتدعو المجموعة الجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان إلى تعزيز تعاونهما في سبيل الإسراع في نشر الجيش اللبناني في جنوب لبنان والمياه الإقليمية اللبنانية على نحو فاعل ومستدام، وفقا للقرار 2373 (2017)، وتحث الجيش اللبناني على مواصلة الخطوات الأولية التي قام بها في هذا الصدد.
وأكدت المجموعة انها ستولي اهتماماً خاصاً لتنفيذ جميع الأطراف قرار مجلس الوزراء، وتدعو بصورة خاصة جميع الأطراف اللبنانية إلى تنفيذ سياسة النأي بالنفس عن الصراعات الخارجية وعدم التدخل فيها، ونولي أهمية كبيرة لهذا الأمر، وفقاً لما ورد في الإعلانات السابقة وتحديداً في إعلان بعبدا العام 2012.
وأكد الرئيس الحريري ان سياسة النأي بالنفس التي تبنتها الحكومة ستسمح بالحفاظ على الوحدة الوطنية.
وبالموازاة قال الرئيس الفرنسي ماكرون في اجتماع المجموعة الدولية «هناك تهديدات كبيرة لا تزال تخيم على استقرار لبنان وتحتم على الأسرة الدولية تقديم دعم قوي وحازم».
اضاف: من أجل حماية لبنان لا بدّ ان ان يحترم كل الأطراف اللبنانيون، وكل الجهات الفاعلة في المنطقة مبدأ عدم التدخل الأساسي. وان «عدم التدخل في نزاعات المنطقة وسيادة لبنان مبدآن لا يمكن المساس بهما».
وقالت مساعد الأمين العام للأمم المتحدة أمينة محمّد «مع عودة سعد الحريري إلى لبنان يبدأ العمل».
وحث وزير الخارجية تيلرسون الأطراف الإقليمية على درس خطواتها بصورة أكبر.
اجتماع الحريري - تيلرسون
ومن أبرز اللقاءات التي عقدت على هامش المؤتمر، الاجتماع بين الرئيس الحريري والوزير الأميركي ريكس تيلرسون والذي استمر لمدة نصف ساعة، وأجرى مراجعة للعلاقات اللبنانية - الأميركية من الجوانب كافة لا سيما الالتزام بتقديم ما يلزم من مساعدات عسكرية للجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى.
وشدّد تيلرسون على التزام بلاده باستقرار لبنان ودعم اقتصاده.
في إطار متصل، علمت «اللواء» من مصادر دبلوماسية غربية ان نائب الرئيس الأميركي مايك بنس يدرس زيارة لبنان في إطار جولة يقوم بها في المنطقة، ومن ضمنها إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث رفضت السلطة الفلسطينية استقباله، قبل ان تتراجع إدارة ترامب عن القرار بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل.
وأوضحت المصادر رداً على سؤال ان قرار الزيارة كان متخذاً، لكن تعديلاً ما طرأ، وقضى بتأجيل الزيارة، في ضوء تصاعد حملات الغضب ضد الإدارة الأميركية، بعد قرار ترامب.
مؤتمر باريس
وفي تقدير مصادر سياسية متابعة، ان مؤتمر باريس لمجموعة الدعم الدولية للبنان، شكل جرعة دعم سياسية جديدة للبنان، الخارج لتوه من أزمة سياسية بقي يترنح على حبالها شهراً، إلى جانب كونه مظلة دولية لحمايته من أزمات المنطقة وصراعاتها والحروب المستقرة فيها.
لكن هذا الدعم لم يكن فقط سياسياً، من خلال تأكيد التزامه وتأييده لسياسة النأي بالنفس التي أقرّتها الحكومة اللبنانية، قبل يومين، ودعوته لإعادة تنظيم المؤسسات الشرعية، من خلال دعم تنظيم الانتخابات النيابية في أيّار من العام المقبل، بل وسعى هذا الدعم إلى تنظيم ثلاثة مؤتمرات دولية، تقرر ان تبدأ مطلع العام الجديد، وهي مؤتمر روما - 2 بمبادرة من إيطاليا وبدعم من الأمم المتحدة يخصص لتعزيز قدرات الجيش اللبناني، الذي وصفه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، بأنه «مفتاح السلام والأمن في لبنان والمنطقة»، والثاني مؤتمر باريس - 4 الذي سيعقد في شهر آذار المقبل لدعم الاستثمار، ومؤتمر بروكسل- 2 بدعم من الاتحاد الأوروبي لمساعدة لبنان على تحمل عبء والنزوح السوري.
وشارك في اجتماع المجموعة إلى جانب الرئيسين ماكرون والحريري، كل من وزراء خارجية الولايات المتحدة الاميركية ريكس تيلرسون وفرنسا جان-ايف لودريان وممثلين عن وزراء خارجية الصين وروسيا والمانيا وبريطانيا وايطاليا والاتحاد الاوروبي وعن جامعة الدول العربية ومفوضية الامم المتحدة لشوون اللاجئين وبرنامج الامم المتحدة الانمائي والبنك الدولي ومكتب منسق الامم المتحدة الخاص لشؤون لبنان.
وتولى رئاسة المؤتمر المشتركة كل من لودريان ونائب الامين العام للامم المتحدة أمينة محمد.
وشدّد المشاركون في المؤتمر، في ختام أعمالهم على التزامهم مجددا باستقرار لبنان وامنه وسيادته ودعمهم الجهود التي تبذلها السلطات اللبنانية من أجل استعادة الأداء الطبيعي للمؤسسات والتحضير لتنظيم الانتخابات التشريعية في أيّار 2018، وأعربت المجموعة عن ارتياحها لعودة الرئيس الحريري إلى بيروت ووصفته بأنه يمثل شريكا رئيساً لصون وحدة لبنان واستقراره واشادت بقرار الحكومة اللبنانية بالنأي بالنفس عن الصراعات والحروب الإقليمية وعن التدخل بشؤون البلدان العربية.
وفيما لوحظ ان البيان الختامي للمجموعة الدولية أعاد احياء «اعلان بعبدا» لعام 2012، وضرورة تطبيق القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والتقيد بها بما فيها القرارين 1559 و1701 واثنى على دور قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان في حفظ الهدوء على طول الخط الأزرق وتعاونها مع الجيش اللبناني بهدف توسيع نطاق سلطة الدولة اللبنانية وترسيخها على كامل الأراضي اللبنانية، ذكرت معلومات عممتها محطة O.T.V، ان خلافات حول صياغة البيان الختامي أخرت صدوره، منها ما يتعلق بفارق الترجمة بين العربية والانكليزية للفقرة المتعلقة بتطبيق القرار 1701، ومنها ما يتعلق بعودة النازحين السوريين «الطوعية؛ وهو ما رفضه وزير الخارجية جبران باسيل، واصر على شطب عبارة «الطوعية» وعودتهم قبل الاتفاق على الحل السياسي للازمة السورية. وبالفعل تمّ تعديل الفقرة إلى عبارة «عودة آمنة وكريمة وغير قسرية متى تتوفر الظروف المناسبة على ان تيسر الأمم المتحدة هذه العودة».
ولفتت الانتباه ايضا تشديد بيان المجموعة، إلى ضرورة عدم حيازة أي أسلحة غير اسلحة الدولة اللبنانية، ودعت في هذا السياق جميع الأطراف اللبنانية إلى استئناف المناقشات من أجل التوافق على خطة الدفاع الوطنية (الاستراتيجية الدفاعية) واثنت على الدور الذي يقوم به الجيش اللبناني وجميع المؤسسات الأمنية في حماية البلاد وحدودها وشعبها، مذكرة بأن الجيش اللبناني هو القوة المسلحة الشرعية الوحيدة، وفق ما كرسه الدستور اللبناني واتفاق الطائف.
عون في قمّة اسطنبول
الى ذلك، أوضحت مصادر وزارية لـ «اللواء» ان الرئيس ميشال عون سيحضر قمّة اسطنبول الأربعاء المقبل، تلبية لدعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للبحث في الموقف الواجب اتخاذه من قبل الدول الاسلامية تجاه قرار الرئيس الأميركي في شأن القدس.
وأشارت المصادر، إلى ان الرئيس عون يرغب في ان يتشاور مع الرئيس الحريري، في ما يتصل بالقمة الإسلامية، ونتائج مؤتمر باريس لمجموعة الدعم الدولية، واللقاءات التي عقدها على هامش المؤتمر مع المشاركين في المجموعة، ولا سيما اللقاء الذي جمعه مع وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون والذي اتسم «بالايجابية» بحسب مصادرالوفد اللبناني، إلى جانب التحضيرات الجارية لعقد جلسة لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل، والاتفاق على جدول أعمالها وما إذا كانت ستعقد في قصر بعبدا أو السراي الحكومي، علما ان هذا الموضوع يعودالى ما إذا كان الرئيس الحريري يرغب في ان يُشارك في قمّة اسطنبول، وفي هذه الحالة، يمكن ان يتم «تبكير» موعد الجلسة الى الثلاثاء أو تأخيرها الى ما بعد الخميس المقبل.
وفيما يتوجه وزير الخارجية جبران باسيل إلى القاهرة اليوم للمشـاركة في الإجتماع غير العادي للمجلس الوزاري العربي لجامعة الدول العربية للبحث في القرار الأميركي حول القدس، كان المجلس النيابي اللبناني، اول مجلس تشريعي عربي يُبادر إلى عقد جلسة طارئة خصصت لموضوع القدس، وحيث اجمع النواب بمختلف تلاوينهم السياسية والطائفية على إدانة القرار، ووصفه بأنه أخطر من وعد بلفور ثاني، كونه يُدخل المنطقة في توترات خطيرة.
وبعد ان تحدث في الجلسة 17 نائباً بمن فيهم الرئيس نبيه بري، أصدر المجلس توصية اعتبر فيها أن القرار الاميركي يقود الى الحروب ويهدد الامن والسلام الاقليمي والدولي، ويشكل غطاء للاحتلال الاسرائيلي وعدوانيته وعملياته الاستيطانية وكل تجاوزاته على القوانين الدولية والانسانية.
واكد المجلس في توصيته دعمه للمصالحة الوطنية الفلسطينية، وتوجيه كل الجهود العربية والاقليمية لوضع الامكانات كافة في سبيل إيصال الفلسطينيين لحقوقهم وتجنب كل الصراعات الاخرى.
وقرر المجلس إبلاغ هذه التوصية الى الحكومة، والى الادارة الاميركية، والى مجلس الامن الدولي واعضائه، والى الجمعية العامة للامم المتحدة، والى الامم المتحدة، واعتبارها وثيقة رسمية باسم الشعب اللبناني».
واشار الرئيس بري الى ان اجتماعا للبرلمان العربي سيعقد في المغرب يوم الأربعاء المقبل للبحث في قضية القدس.