كلّهم كتبوا لكِ القصائد والكلام، كلّهم غنّوا لكِ يا قبلة الأحرار والأنام، كلّهم زعموا بأنّك القضية، والقضيّة المركزيّة، كلّهم رسموا طرقاً تؤدي إليكِ، تمرُّ هنا وهناك، حسب المصالح الشخصيّة، كلّهم تبنّوكِ، وفي لحظة الحقيقة، من دافع عنكِ ؟ لا أحدَ منهم.
قد يخيّلُ للعالم الذي لم يتسنّ له أن يزور القدس وفردوسها، إذا ما سمع خطابات العرب والمسلمين، بأن القدس في أهوائهم و أذهانهم، وتسري في دمائهم محبّتها، وبأنّ عاصمة الأديان السماوية هي الخطّ الأحمر للعرب، لا يجرؤ أحدٌ مهما بلغ من قوة وجبروتٍ على تخطّيه، او الإعتداء عليه.
منذ يومين، طالعنا الرئيس الأميركيّ بقرار نقل السفارة الأميركية من تل أبيب الى القدس، وفي ذلك اعتراف صريح بالقدس عاصمة للكيان المحتلّ، دعكَ من التهوّر، وارتجال القرار تلو القرار، ولكن السؤال الذي يطرح: ما الذي تغيّر؟ ولماذا تجرّأ دونالد ترامب اليوم على هكذا قرار تعاقب أسلافه على تأجيل البتّ به لسنواتٍ وسنوات؟
إقرأ أيضًا: القدس عاصمة فلسطين شاء من شاء وأبى من أبى
للإجابة على السؤال، فتّش عمّا قاله يوماً المعلّم كمال جنبلاط ، وهل أصدق من الركون لرأي قائدٍ دفع حياته ثمناً من أجل عروبة فلسطين .. فهو كان يرى العرب منقسمين، لا يفكّر أحدهم بالآخر، حتى أنه دعى للوحدة لكي نكسب "شيئاً" من الإحترام في هذا العالم! ما قاله كمال بك قبل عشرات الأعوام يحضر أمامنا في أوضح تجلّياته: نتناحر هنا و نتقاتل هناك ، باسم فلسطين، ولا نعرف أين السبيل إليها!
كمال جنبلاط الذي يولد فينا في ٦ كانون الأول من كلّ عام تزامنت ذكرى مئويته مع الإعلان الأميركي، كأنما طيفه ينتفض لأجل العاصمة التي عشق حتى الإستشهاد، والتي نشأنا على حبّها لأنه علّمنا كيف نحبّها، لأنه آمن بها ولم "يساوم" عليها، لأنه دافع عنها بجسده، لا ببيانات الإستنكار والهراء.
أعود إليكِ يا قدسُ، لأبكي عى ما حلّ بكِ، ولأقول لكلّ الغيارى عليكِ: لا يقنعنا أحدٌ منكم، لا أحد، بأنه يقاتل من أجل فلسطين، القدس لا تريد بياناتكم المزيّفة، ودموع التماسيح تذرفُ على جرحٍ عميق لتعمق جراحه، القدس لا تريدكم ولا تريد حتى بأن تتلفظوا ب "قدسيّتها" .. كلّكم كتبتم وغنيتم و "قاتلتم"، و بحّت حناجر البعض منكم، والقدس تُركت لمصيرها في ليلة ٦-١٢-٢٠١٧، لتكذبكم، لتدحضكم، ولتقول للعالم: أشتاق جمال عبد الناصر، أحنّ إلى كمال جنبلاط، آسفة أنا على الملك فيصل، ومن بعدهم، لن أصدّق أحد!