لم تكن دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حكومة العراق، إلى حلّ كل الميليشيات بما فيها الحشد الشعبي، وتسليم سلاحها إلى السلطة الرسمية، آتية من فراغ. قال ماكرون ما وصلت إليه مشاورات دولية وأجواء جدية جالت على مختلف عواصم العالم، وأفضت إلى وجهة موحّدة تتركز على ضرورة سحب الأسلحة من كل القوات الرديفة للقوات الشرعية والرسمية في الدول العربية. خلال أزمة استقالة الرئيس سعد الحريري ووجوده في باريس، ألمح ماكرون، أكثر من مرّة إلى وجوب تسليم سلاح حزب الله، وهو موقف يتلاقى إلى حدّ بعيد مع الموقفين الأميركي والسعودي.
الإعلان العالمي حالياً، يتركز على ضرورة تثبيت الحلول السياسية في الشرق الأوسط على قاعدة السلم بين الاطراف، وحلّ الميليشيات. بين أوروبا والولايات المتحدة يتردد كثيراً مصطلح "شرق أوسط خال من الميليشيات". لكن، هل هناك إمكانية واقعية لتطبيق هذا الطرح؟ حتى الآن، ليس هناك ما يشير إلى القدرة على ذلك، ولا إلى وجود خطة وإستراتيجية واضحتين للوصول إلى هذه المرحلة المتقدّمة، لا سيما أن إيران تظهر تمسّكاً وتشدداً في حماية حلفائها، وفي التركيز على أدوارهم. وأحداث اليمن خير دليل على ذلك.
وفي إطار المساعي الفرنسية، برزت زيارة رئيس المخابرات الخارجية الفرنسية برنار ايمييه إلى طهران، حيث التقى المسؤولين هناك، وأوصل رسالة أساسية بشأن وجوب إلتزام إيران والضغط على حلفائها في لبنان لتطبيق النأي بالنفس فعلاً لا قولاً، مع تلويح بإمكانية لجوء بعض الدول إلى مجلس الأمن، تحت الفصل السابع، لإعادة إصدار قرار دولي يتعلّق بحزب الله وسلاحه، على غرار القرار 1559، ولكن بشكل أقسى وأوضح، لا سيما أن الجامعة العربية صنّفت الحزب منظمة إرهابية.
لا شك أن إيران تعرف كيف تتعاطى مع هكذا ظروف ضاغطة، ولديها كثير من الأرواق للعبها وتقديمها، مقابل سحب فتائل التصعيد والتوتر ضدها وضد حلفائها. موضوع حزب الله وإيران في لبنان كان حاضراً بقوة في الاجتماع المغلق الذي عقد الأسبوع الماضي في مجلس الأمن وترأسه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتيرس، وكان مخصصاً للبحث في القرار 1701. وانطلاقاً من االرأي القائل إن الحزب لا يلتزم بالقرار ومندرجاته، وأنه يستمر في نشاطه العسكري جنوب الليطاني، ركز بعض مندوبي الدول على ضرورة إيجاد حلّ فعلي لهذه المشكلة، وإجبار الحزب على الإلتزام بالقرار وتطبيقه. فيما كان الموقف الأميركي متشدد جداً، لجهة وجوب نزع سلاح الحزب، وحلّ الميليشيات.
من الواضح أن الحراك الدولي المدعوم سعودياً سيستمر في الفترة المقبلة، لتعزيز الضغط على حزب الله وطرح ملف سلاحه على بساط البحث. وطالما أن اللبنانيين سيكونون عاجزين عن إحداث أي تغيير في هذا الصدد، فإن الاجواء الدولي ستوحي إلى عقد اجتماع دولي وإن لم يكن على صعيد مجلس الأمن في البداية، لبحث الأزمة اللبنانية، التي سيكون عنوانها الأساسي بالنسبة إلى المجتمعين هو سلاح الحزب.
في المقابل، يترقّب حزب الله الخطوات التصعيدية تجاهه، وهو يعتبر أن لا أحد قادراً حتى الآن على التأثير عليه أو تغيير مجريات الأمور. لكن الأكيد أن الحزب يأخذ في الحسبان أي تطورات قد تحصل، خصوصاً إذا ما كانت المنطقة مقبلة على تسويات سياسية. وهو يخشى أن تنعكس هذه التسويات عليه بشكل سلبي. ولكن، لدى حزب الله رهاناً أساسياً على الوضع الداخلي بمعزل عن أي تطورات خارجية. وهو يركز على الانتخابات النيابية المقبلة والنتائج التي ستفرزها. ويبدو واثقاً بأنه سيحصل مع حلفائه على أكثرية نيابية، تفسح له المجال أمام إصدار قانون واضح في المجلس، لشرعنة سلاحه والاحتفاظ به بهدف مقاومة الاحتلال وأي عدوان. وهذا يعني تشريع السلاح بقانون صادر عن البرلمان. ما يعتبر أقوى بكثير من مجرّد بيان وزاري.