الموقف من القدس يضعف خيار التسوية ويدفع إلى صعود فصائل وجماعات متشددة إلى الواجهة
 

أثار القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس واعتبارها عاصمة لإسرائيل موجة واسعة من الاحتجاجات في الشارع العربي والإسلامي، ووحّد في سابقة نادرة، حلفاء واشنطن وخصومها حول موقف واحد يعارض سياسة ترامب في الشرق الأوسط وانحيازه لإسرائيل دون قراءة عواقب خطواته.

وقال دبلوماسيون عرب في القاهرة إن فرص الحل في الشرق الأوسط قد تضاءلت بشكل كبير، وإن ترامب أعطى مبررات لإيران وتركيا وتيارات إسلامية متشددة لتستمر بالمزايدة من بوابة القدس.

وأضافوا أن الكلام عن “صفقة القرن” لحل القضية الفلسطينية ذهب أدراج الرياح، إذ أرادت تل أبيب وواشنطن تكريس أمر واقع جديد يخرج القدس من أي تسوية يمكن أن يتم التوصل إليها في المستقبل، لافتين إلى أن الصخب العربي الناجم عن تفجير قضية القدس سيؤثر على قضية التسوية برمتها، وهذا ما تتمناه إسرائيل “الانشغال بالتفاصيل على حساب جوهر القضية”.

وخسر ترامب، الذي ربما يكون قد فكر من خلال قرار نقل السفارة إلى القدس بتوفير الفرصة لإغراء إسرائيل بالتوصل إلى تسوية دائمة، متناسيا الطرفين الفلسطيني والعربي اللذين لن يقبلا بأي تسوية تفتقر إلى الحد الأدنى من التوازن.

وقالت تقارير غربية “ترامب الذي وصفته بالمجازف يأمل أن يؤدي قرار نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس إلى إنهاء سلسلة الإخفاقات السابقة في حل الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إلا أن أمله هذا سيذهب هباء”.

وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة محمد كامل السيد إن قرار ترامب سيزيد من “نقمة الشعوب على السياسة الأميركية في المنطقة”.

واعتبر الباحث والأكاديمي الفلسطيني رشيد خالدي القرار خطأ من ترامب “ويمثل كارثة بالنسبة للعرب وللولايات المتحدة على حدّ السواء”.

وقال خالدي “إن قرار الرئيس الأميركي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يمثل صفعة لسبعة عقود من السياسة الأميركية”.

وحذر محللون سياسيون من أن ترامب يعيد أخطاء سلفه باراك أوباما من خلال إصراره على وضع استراتيجية أميركية دون مراعاة مصالح حلفاء واشنطن في المنطقة، ودون الانتباه لحجم الإحراج الشعبي والأخلاقي الذي يلاقونه في قضية بحجم القدس.

وحذر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس، خلال مباحثات أجرياها الخميس في عمان، من أن أي إجراءات تمس بوضع القدس القانوني والتاريخي تعتبر باطلة، على ما أفاد بيان صادر عن الديوان الملكي الأردني.

ويجد الأردن، وهو شريك رئيسي في عملية السلام، نفسه في إحراج كبير كونه يرعى شؤون مدينة القدس والمسجد الأقصى.

ودعا الملك عبدالله الثاني إلى “تكثيف الجهود العربية والإسلامية والدولية لحماية حقوق الفلسطينيين والعرب والمسلمين في مدينة القدس، التي تمثل مفتاح تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة”.

وحضّ على “البناء على الرفض الدولي للقرار الأميركي، لتفادي أي خطوات أحادية قد تقوم بها دول أخرى”.

وتتسع دائرة الإحراج لتشمل دولا عربية مركزية مثل السعودية ومصر، التي تتبنى عملية السلام وتسعى لإنجاح تسوية شاملة بين الفلسطينيين وإسرائيل على قاعدة المبادرة العربية للسلام التي تقوم على اعتبار القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية.

وتحاول دول الرفض العربي استثمار الرفض العالمي الواسع لقرار ترامب من أجل خلق حالة دولية تمكن المؤسسات الأميركية التقليدية، الرافضة بدورها للقرار، من وضع الإدارة تحت ضغط داخلي.

ووضع ترامب مسؤولين أميركيين كبارا في موقف دفاعي عندما أقدم على اتخاذ هذا القرار. ولم يعد أمام هؤلاء المسؤولين، الذين يقودون مؤسسات أساسية وحساسة في الولايات المتحدة، سوى استغلال الرفض الدولي لإعادة العجلة إلى الدوران في الاتجاه العكسي.

لكن قرار الرئيس الأميركي المتسرع يربك أيضا أولويات كل من مصر والسعودية خاصة في الحرب على الإرهاب وتفكيك التيارات المتشددة، فضلا عن الوقوف في وجه التمدد الإيراني وفق مقررات قمة الرياض التي حضرها ترامب وانتهت إلى تحالف إسلامي أميركي.

وجاء في بيان صادر عن الديوان الملكي السعودي تعليقا على خطوة ترامب “سبق لحكومة المملكة أن حذرت من العواقب الخطيرة لمثل هذه الخطوة غير المبررة وغير المسؤولة، وتعرب عن استنكارها وأسفها الشديد لقيام الإدارة الأميركية باتخاذها، بما تمثله من انحياز كبير ضد حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والثابتة في القدس″.

وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية لدولة الإمارات أنور قرقاش‏ إن “الموقف الموّحد والعمل الجاد والتوقف عن استغلال محنة القدس الشريف لتصفية الحسابات مطلوب في هذه المرحلة، ليكن هدفنا تحقيق النتائج لا تعميق الجروح”.

وحذر المحللون من خطأ الاعتقاد الذي تبديه إدارة ترامب عن قدرتها على امتصاص ردات الفعل الشعبية في المنطقة، لافتين إلى أن في قضية القدس لا يمكن لأي كان أن يتوقع المدى الذي تصل إليه الاحتجاجات خاصة في ظل وجود جماعات متخصصة باستثمار هكذا أزمات مثل حزب الله اللبناني وحركة حماس.

وذكرت حركة حماس الأربعاء أن قرار ترامب سيفتح “أبواب جهنم” على المصالح الأميركية في المنطقة، بينما دعا رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية الخميس إلى انتفاضة جديدة.

ولفت المحللون إلى خطورة فشل الرهان على خيار السلام وتراجع الثقة فيه لدى الفاعلين الفلسطينيين والعرب، ما يفتح الباب أمام التحريض على خيار المواجهة الذي أثبت فشله في العقود الماضية سواء بالنسبة إلى إسرائيل أو الفلسطينيين.

وشددوا على أن تراجع الثقة في السلام سيفتح الباب لصعود الفصائل المتشددة التي لن تعدم أي حيلة للحصول على الأسلحة من إيران وحزب الله الذي حصل عليها من تدخله العسكري في سوريا لدعم الرئيس بشار الأسد.