لم يعد الخلاف القائم بين التيار الوطني الحرّ وحزب القوات اللبنانية يتداول همساً أو محصوراً على مستوى الحكومة والوزراء أو على مستوى قيادات من الصّف الثاني. بلا شكّ، فجّرت أزمة الرئيس سعد الحريري وما سبقها وتلاها من مواقف العلاقة بين التيار والقوات، إلى الحدّ الذي خرج معه أول من أمس الوزير جبران باسيل راسماً معالمه، ما استدعى ردّاً من رئيس القوات سمير جعجع.

منذ عودة الحريري إلى لبنان، تحاول القوات حصر الحديث عن الخلاف مع التيار الوطني الحر أو تيّار المستقبل في خانة الشائعات التي تطلقها «ماكينة حزب الله الإعلامية». وفي كلّ مرّة، كانت القوات تنفي وجود تصدعات اضافية في العلاقة مع «الرابية»، حتى إنّها نفت، قبل أيام، ما نقلته «الأخبار» عن مصادر في التيار الوطني الحرّ، مشكّكةً في أن تكون هذه المعلومات مصدرها التيار الوطني الحر. إلّا أنّ إطلالة باسيل التلفزيونية وإعلانه انقلاب القوات على التفاهم و«هي مدعوة إلى المراجعة»، يقطعان الشّك باليقين بالنسبة إلى موقف التيار الوطني الحرّ حيال دور القوات في الأزمة الأخيرة، في الوقت الذي تكشف فيه مواقف بعض القيادات في تيّار المستقبل المدى الذي وصل إليه الشرخ بين جعجع والحريري، بعدما تبيّن للأخير دور القوات في تحريض السعودية عليه.

 


ما هي الشروط المطلوبة من معراب للعودة إلى علاقة «ورقة إعلان النوايا» مع التيار؟ «لا نعرف»، تقول مصادر القوات اللبنانية، مضيفةً أنه «حين ننتهي من حلّ الخلاف مع تيار المستقبل، نتفرغ للإشكال مع التيار».
وتقول مصادر نيابية قواتية إنّ الكلام عن «تخلينا عن التسوية غير صحيح. فالقوات تعتبر أنّها وضعت جهداً كبيراً من أجل أن تتحقق هذه التسوية والمصالحة، وهي معنية بها»، لذلك، «ليس من السهل على من هو مُقتنع بالتسوية أن يُفكر في ضربها»، إضافة إلى أنه «لا يوجد بديل من التسوية»، تقول مصادر القوات، شارحةً أنّ «واحدة من النتائج المهمة للتسوية أنها حصّنت لبنان في وجه ما يحصل حوله». وفيما كشف باسيل «انقلاب القوات على التفاهم»، ردّ جعجع أمس بالقول إن «التفاهم يعني الشراكة، لا أن يضع فريق نفسه في تصرف آخر»، مقترحاً على رئيس الجمهورية ميشال عون وباسيل «في ضوء الافتراءات في حقنا»، أن «يُطرح التفاهم على الرأي العام وليحكم بالعدل». وكشف جعجع أن «التفاهم الذي بُني على تأييدنا للعهد كان على أساس واضح جداً يرتكز على تشكيل فريق عمل من وزراء القوات والتيار في أول حكومة يتم تشكيلها، يعمل على رسم السياسات العامة للعهد»، مضيفاً أن «دعم العهد لا يكون بأن يرسم طرف واحد، وتحديداً باسيل، كل السياسات وتقتصر مهمة الطرف الآخر على التصفيق له والثناء عليه». وقال إن «لبّ المشكلة أننا كنا في مرحلة استقالة الحريري نركّز على جوهر المشكلة الكامنة في أسباب وخلفيات الاستقالة، فيما هم يحرّفونها في اتجاه تسخيفها هرباً من تنفيذ أسبابها واعتبارها غير موجودة، وتصوير ان السعودية أجبرته على الاستقالة، في حين أثبتت الوقائع أنه لم يعد عنها الا بعدما حصّل ما طمح اليه وحقق جزءاً من اسبابها».
وسأل: «ما علاقة إشكالية الاستقالة بين الحريري والمملكة العربية السعودية بالتفاهم بين القوات والتيار، ليرى، في شكل غير مباشر، أن هذه الواقعة أثبتت أن القوات غير وطنية؟ موقفنا من الاستقالة سابقاً وحاضراً لا نخجل به، فمطلبنا بتسوية جديدة تحقق، ولنا ملء الحرية في تحديد المقاربة التي نريد في أي مشكلة».
وحول تحديد القوات موقفها من سحب وزرائها أو بقائهم في الحكومة، قال جعجع إن «هذا شأن يعنينا وحدنا. حينما نلاحظ أن أياً من قناعاتنا لا يترجم في الحكومة، نتخذ القرار المناسب. لكن الغمز واللمز طوال الفترة الماضية في هذا الموضوع شأن غير مقبول، وعزل القوات ليس مزحة. لا أحد يعزلها سوى جمهورها وقاعدتها الشعبية».